إن الإنسان ولد ليكون خليفة الله فى الأرض، قد استخلفه عليها لينمى الحياة فيها ويرقيها، وليجعلها جديدة بأن تعاش ثم ليستمتع بجمالها ونضرتها، ولن ينال الانسان شيئاً من هذا كله إذا كانت حياته تنفق فى سبيل اللقمة وحياة الكفاف؟.
لذلك يكره الإسلام الفوارق بين الطبقات بحيث تعيش منها جماعة فى مستوى الترف ، وتعيش جماعة أخرى فى مستوى الشظف والحرمان والجوع والعرى، فهذه إذاً أمة غير عارفة لله، إذ يقول الرسول الأمين: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". وعليه فالفوارق الطبقية الكبيرة مرفوضة، وذلك لما تخلفه من أحقاد وتحطم أركان السلام الاجتماعى، ولما فيها من أنانية وجشع وقسوة تفسد النفس والضمير. ونظرة الإسلام فى رأس المال ألا يكون دول بين الأغنياء فقط فى الأمة، وألا تجد الكثرة ما تنفق، لأن ذلك ينهى بتجميد الحياة والعمل والإنتاج فى هذه الأمة، فى حين إذاً توفر رأس المال فى أيدى أكبر عدد من الناس ينمى القوة الشرائية لديهم ويجعلهم قادرين على الإنتاج والاستهلاك، مما يؤدى إلى مضاعفة الدخل القومى.
ويترتب على ذلك تحقيق العمالة الكاملة وتختفى ظاهرة البطالة، وبذلك يدور الاقتصاد دورته الطبيعية إلى الأمام وتستقيم الحياة، ويطيب العيش.
لهذه المعانى جميعاً شرّع الدين الاسلامى الزكاة وفرائض غيرها، وجعلها فريضة فى المال، وحقاً لمستحقيها، لا منّةً وتفضيلاً من دافعيها، واشترط أن يكون المال فائضاً عن الحاجات الضرورية لمالكه، وعن ديونه، وأن يكون قد حال عليه الحول، أى مضت سنةً على حيازته. إذ أنه من البديهى ألا يطالب امرؤ بالزكاة وهو مستحق لها. والزكاة فى الاسلام لها مواعيد حسب نوع النشاط الاقتصادى، فالزراعة غير التجارة.... الخ وقد حدد القرآن مستحقى الزكاة كما يعرف معظم الناس بالفئات التالية: الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وأخيراً ابن السبيل.
وهذا يؤكد أن الاسلام كان وما زال حريصاً على الكرامة الانسانية والعيش لبنى البشر جميعاً ، بل وهو حريص أيضاً على أن يوفر لكل فرد فى المجتمع مورد رزق خاص لا يخضع فيه حتى للجماعة ، وهذا هو أحد أذرع "العدالة الاجتماعية".
لذلك حث على الكسب وسد الحاجة عن طريق العمل، وجعل العمل حقاً للإنسان وواجب (مثل العبادة) على المجتمع تيسير العمل وتوفيره لكل فرد فيه فى حدود الامكانيات الاقتصادية المتاحة.
ونخلص من ذلك أن الإسعاف الاجتماعى المقوم عن طريق الزكاة هو نوعاً من التأمين ضد الفقر والجوع والبطالة غير المتعمدة، أو ضد العجز القهرى عن العمل، فالأصل فى الأمور أن يستغنى الانسان عن الزكاة بالعمل والإنتاج وسعيه وكده وكسبه من عمل يده، فإذا عجز أو اعترضته المعوقات المادية أو المعنوية أصبح مستحقاً لحصيلة الزكاة. وهذا ما تحاول معظم جول العالم من خلال التشريعات الوصول إليه من خلال شبكة الضمان الاجتماعى لتغطى أكبر قدر من أفراد المجتمع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة