وسط عالم يموج بالأحداث العاصفة بمقدرات البشر والحجر على حد سواء، تظل مصر محروسة بشعبها وجيشها ورئيسها الجسور، فهى أرض مباركة بلاشك .. كرمتها السماء.. وعاش على ترابها الأنبياء.. إنها كنانة الله فى أرضه، تلك التى اختصها وباركها، ولأنها بلد الرسالات وحاضنة للأنبياء..
فقد ولد كليم الله موسى "عليه السلام" على أرضها وتحديدا بمحافظة الشرقية، والذى يسجل التاريخ انتصاره على فرعون، وكذلك يوسف الذى ارتبطت قصته ما بين الدلتا والصعيد، وأيضا كل من سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء مع زوجته "سارة" التى عصمها الله من بطانة السوء عند الملك، وعيسى من بيت لحم إلى غزة والعريش فالزقازيق، ورحلة العائلة المقدسة إلى بلادنا خير شاهد على بركة هذا التراب المقدس، حيث كانت السيدة العذراء تحمل يسوع، و فى مسطرد استحم المسيح وشرب من النبع المبارك.. لأجل ذلك كله أصبحت وستظل بإذن الله مصر بلد الأمن والآمان رغم تقلبات الدهر والأزمان.
وفى ظل عالم غير آمن، حيث انقلبت الأمور كلها رأسا على عقب خاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، والتى على أثرها ظهرت المؤامرات والأطماع الغربية بحجه القضاء على الارهاب، منذ ذلك التاريخ وحتى الآن لا يوجد دولة آمنه بالمعنى الحقيقى من بين دول العالم أجمع، وقد كان خطاب "حال الاتحاد" الذى ألقاه الرئيس الأمريكى "بوش" فى بداية عام 2002 قد وضع الإطار العام للوجهة الجديدة بإبقائه الباب مفتوحا على مصراعيه لمواصلة الولايات المتحدة لـ "الحرب على الإرهاب"، وأضاف إلى ذلك نحته لمفهوم "محور الشر" مدشنا جبهة جديدة، بإضافة بعض الدول وقائمة إضافية من "الدول المارقة" - كما أسماها فى حينه - والتى تنتج أسلحة الدمار الشامل، إلى من ستطولهم اليد الطويلة للولايات المتحدة !، وإذا وضعنا خطاب "حال الاتحاد" هذا فى مكانه الطبيعي، فإنه يمكن القول أن هذا الخطاب ليس ظرفيا، بل كان يشكل امتدادا طبيعيا لـ "حركة فكرية" كانت تعتمل داخل مراكز صناعة القرار فى الولايات المتحدة بهدف صياغة معالم وعناصر الاستراتيجية الجديدة، وعنصرها الرئيسى العقيدة العسكرية التى بدأت بالتبلور من جديد بعد 11 سبتمبر 2001، وتمثل تلك العقيدة الجديدة تطورا نوعيا بالمقارنة مع تلك التى تبلورت فى بداية التسعينات من القرن العشرين على أثر انهيار الاتحاد السوفيتى والمعسكر الاشتراكى وحل حلف وارسو.
لقد مر العالم بتحولات دراماتيكية غاية فى السوادوية على أثر تداعيات 11 سبتمبر، ولاشك أن قراءة متفحصة لجوهر العقيدة العسكرية الأمريكية تكشف لنا أنها لا تطول فقط إحداث ما يسمى بـ "الثورة فى المسائل العسكرية" بل توظيف هذه التقنيات الجديدة لتحقيق "تفوق نوعى على الخصم" بحيث يتيح ضمان مبدأ "السيطرة الاستراتيجية"، وطالما شدد واضعو الخطط العسكرية الأمريكية على أن نظريتهم فى "السيطرة الاستراتيجية" وجدت استجابة لكل أشكال النزاع، ويجرى تطبيقها بحسب طبيعة الخصم وعدده وقوته الصناعية وبنيته التحتية وحجم مدنه، ولا سيما نظامه السياسى وما هو المطلوب القيام به لقلبه أو تحييده، فالنظرية تترك المجال واسعا أمام التجريبية فى تطبيقها، وهو ما حدث مثلا عند تنفيذها خلال حروب الخليج والبوسنة ومن بعدها فى كوسوفو.
من بعد ذلك ظهر مصطلح نظرية "الفوضى البناءة" فى التنويعات التطبيقية للاستراتيجية الأمريكية التى تولدت عنها مفاهيم عديدة، حيث واصل الجناح الأمريكى المحافظ المسيطر على مجريات السياسة الأمريكية جهوده لتطبيق نظريتى "التفكيك النظيف" و"الفوضى البناءة"، بهدف إعادة رسم الخارطة الجغرافية والسياسية على الصعيد الإقليمى مبتدأ بمنطقة الشرق الأوسط لتكون بمثابة نموذج يطبق فيما بعد على المناطق الأخرى، وهى نظريات وضعتها وروجت لها مراكز أبحاث ودراسات أمريكية فى مقدمتها معهد واشنطن، وكان من ضمن أدوات تحقيق ذلك واقعيا ولادة "ثورات الربيع العربي" التى أكلت الأخضر واليابس، عندما تم شيطنتها بأصابع غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اقترنت تلك الثورات بالحرب على الإرهاب ممثلة فى تنظيم "داعش"، وقد أوضح الرئيس السيسى فى هذا الصدد أن "أمريكا لا تحارب وحدها تنظيم داعش، فهى تحاربه فى إطار حملة تضم نحو خمسين دولة"، وشدد الرئيس وقتها إن "التعاون فى مواجهة الإرهاب على المستوى الدولى لا يعنى أن مصر فى حاجة إلى تعاون من أحد لمواجهة الإرهاب داخل أراضيها".
الإرهاب ياسادة: هو ذلك النهج القاسى الذى كان ولا يزال يمارس ضد الإنسانية وينتهك حرماتها، والإرهاب أو الرعب أو التخويف يعد منظومة ألفاظ قد تتغير فى الصور لكنها تتحد فى الجوهر والهدف فى عالمنا اليوم، وتدلنا على ما فى حياتنا من تراجع وانحدار وانسلاخ عن الإنسانية، وابتعاد عن قيم الحق والعدالة، الإرهاب: هو أخطر سلاح أسسته السياسة المتهورة، ومارسته الدول ضد شعوبها عبر التاريخ البشرى وقامت فى ظله حكومات، وتأسست أنظمة ولا زال الإرهاب أخطر سلاح تشهره الدول العظمى لتصفية حساباتها مع بعضها أو مع خصومها من الدول الضعيفة أو الشعوب المستضعفة، ويبقى الإرهاب: يعنى ذلك الشعار الغامض فى مفهومه وحدوده والخطر فى آثاره، والواضح فى أهدافه ونواياه، ما هى مظاهره؟.. وكيف ينبغى أن نفهمه؟ وبأى أسلوب نعالجه أو نتخلص منه؟ هذه وغيرها من أسئلة واستفهامات أصبحت اليوم من الضرورات التى ينبغى معرفتها، بل أصبحت من الواجبات التى ينبغى أن تملأ الفراغ الكبير الذى شعر به العالم أخيراً خصوصاً بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر عام 2001.. هنا نقف قليلاً لنقول: قد لا يبعد القول بأن الإرهاب لازم الحياة البشرية منذ بداياتها؛ لأنه بنظر أهله هو الأسلوب الأقرب للوصول إلى الأهداف والمصالح، على الرغم من آثاره السيئة، وأضراره الكبيرة على المدى الأبعد أو الأشمل، وقد استخدمه الأقوياء قديماً للسيطرة على الضعفاء، كما كان الأسلوب الأكثر اتباعاً من قبل أنظمة الحكم العالمية والمحلية ولا زال.
ومن ثم نلحظ أن الرئيس السيسى وضع فى اعتباراته أن تتحدد مسارات عملية مواجهة الإرهاب فى سيناء 2018 بناء على مجريات تنفيذ تلك العمليات ومدى نجاح الضربات وقوتها وشموليتها، ويبدو أن القيادة "السياسية/العسكرية" أرادت من تلك العملية تحقيق نتائج ذات أثر إيجابى يحدد نجاح المسارات النهائية لها، بحيث تكون تلك العملية ناجحة فى القضاء على بؤر التجمعات الإرهابية، وقطع أى إمدادات أو أى مساعدات تأتيها داخل سيناء، ولعل استخدام القنابل العنقودية والصواريخ قصيرة المدى يفسر اعتماد القيادة "السياسية/العسكرية"على تحقيق تلك العملية أهدافا ناجحة فتضرب عصفورين بحجر واحد؛ أولهما تدمير بؤر الإرهابيين التى تضم ثكناتهم وعتادهم من أسلحة ثقيلة وصواريخ وعربات دفع رباعى حديثة، وثانيهما تبيان القوة "الغاشمة" للقوات المسلحة المصرية التى تنفذ، منفردة دون مساعدات أو أحلاف إقليمية أو دولية، عملية عسكرية شاملة وموسعة، ترهب المترصدين خارجيا بالدولة المصرية وفى الوقت نفسه تشل العصائب الإرهابية المسلحة وتفتح أبواب الأمل لتنمية سيناء وتطويرها على الأصعدة جميعها.
وتأتى كل تلك الإنجازات المصرية فى وقت تتزايد فيه أعداد من قتلوا فى حروب فى العراق لتصل إلى مليون ونصف مليون، وتشريد أكثر من 2 مليون وأصابه أكثر من مليون، ثم فى اليمن قتل مايربو على النصف مليون، وأكثر من مليون مصاب وانتشرت الأمراض والأوبئة التى تنال يوميا من مواطنى اليمن البائسين، وعليه فإن اليمن والعراق يحتاجان إلى أكثر من 50 عاما على الأقل لتعودا كما كانت فى سابق عهديهما، ثم ليبيا التى انتشرت فيها المليشيات من كل صوب وحدب تعمل لحساب أطماع بعض الدول الغربية، والتى بموجبها قتل مايقرب من المليون ليبي، وإصابه أكثر من مليون، وتشريد أكثر من 2 مليون، فضلا عن تدمير البنيه التحية، والغريب أن أحد الدول الأوربية تسيطر على 70 مليار دولار فى أحد بنوكها بحجة الحظر، وتحتاج ليبيا إلى أكثر من 30 عاما، وأكثر من 600 مليار دولار لإعاده إعمارها من جديد.
كل تلك الصراعات الدولية على ليبيا جاءت جراء اقترابها من الحدود الغربية مع مصر، والتى تزيد عن 1200 كيلو، ثم فى القلب منها تأتى صراعات السودان وانفصال الجنوب والشمال ولعل الحروب التى كانت دائرة خلال الأيام القليله الماضية خير شاهد على استمرار المخططات الغربية فى التضييق على مصر، وكذلك لم يسلم الخليج من هذه الصراعات، فدخلت السعودية مجبرة مع الإمارات فى الحفاظ على حدودها جراء المد الفارسي، ولم تعد دول الخليج المرفهه فى مأمن من الحروب والخسائر الماديه والبشرية، وحين نذهب إلى لبنان سنجد الصراعات الدمويه من الجنوب وحزب الله وإيران وأمريكا وروسيا وسوريا والأردن وغيرهما، وكذلك تونس وبعض دول المغرب العربي.
إذاً علينا أن ننظر الآن أكثر من أى وقت مضى إلى حال مصر مقارنة بكل تلك الدول - فكما ذكرت فى بداية مقالى هى فعلا محروسة بفعل العناية الإلهية وبفضل شعبها الأبى وجيشها البطل - وكيف حافظت على أركانها وحدودها من كل هؤلاء وبأقل الخسائر، فى ظل تكلفة الأمن الباهظة التكاليف، ومقارنة بما سبق ذكره، فمنذ ثورات "الخريف العربي" ومن قبلها أحداث 11سبتمبر التى تفجرت على أثرها أطماع الدول الغربية وبعض أطماع الدول الشقيقة والمحيطة بنا ، ومع ذلك فإن خسائر مصر لا تتعدى 1500 شهيدا من أبناء قواتنا المسلحة، وليس هنالك أكثر من 5000 مصاب، فقد استطاع الرئيس السيسى ورجال القوات المسلحة ووعى هذا الشعب أن يحافظ ويحمى أركان هذه الدوله المحروسة من المولى عز وجل، فقد كان واثقا، عندما أكد مرارا وتكرارا أنه لا يوجد خوف من أى تهديد خارجي، فقط طالب بضرورة وحدة المصريين للوقوف أمام أية تحديات تواجه وطنهم، مشيراً إلى أن دعم المصريين لبلدهم وصبرهم وتحملهم هو السبب الحقيقى وراء الإنجازات التى تتحقق فى مصر، ومشددا على أن الكل مستعد للتضحية فى سبيل مصر ولن يستطيع أحد المساس بأرضها.
وليس هذا فحسب، بل استطاع أن يلملم شمل بعض الدول العربية الشقيقة فى دخوله معها فى تحالفات عسكريه للحفاظ عليها، انطلاقا من أننا كمسلمين لا ينبغى أن نقف مكتوفى الأيدى نتفرج على ما تريد أمريكا أو الغرب تطبيقه علينا من أحكام، على الرغم من أننا أكثر شعوب الأرض معاناة من الإرهاب بنحوه الذى فرضته علينا الحضارة المادية الحديثة، أو بأنظمة الحكم المستبدة التى سلطتها علينا أيضاً تلك الدول، أو بما تمارسه ضدنا من سياسات استعمارية أو أطماعية خاصة.. بل علينا أن نأخذ نحن بزمام المبادرة ونملأ الفراغ الهائل الذى يشكوه العالم من مشكلة الإرهاب، فى المفهوم والتفسير والخطط والأساليب، فإننا إن لم نبادر فسيبادر إليه ظالمونا وغاصبونا ويطبقونه علينا بنفس الطرق التى أتبعوها قبل، وجعلوا نهارنا ليلاً، وحياتنا المستقرة قلقاً وأزمات وتخلفاً فى مختلف المستويات، ولعله قد ذكر أكثر من مرة أننا داخل مصر لسنا بحاجة إلى أحد لمواجهة الإرهاب، لافتا إلى أن الشعب المصرى يقف يدا واحدة، وأن جميع المصريين يقفون وراء الجيش والشرطة، فلا خوف على مصر من الإرهاب.. تحيا تقدير واحترام للرئيس عبد الفتاح السيسى فى جسارة تحمله لكافة الأعباء الداخلية والخارجية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة