دقة جرس واحدة كانت قادرة أنت تقلب مزاج "نرمين حمدي" الشابة العشرينية رأسًا على عقب، فقط إن كان صاحبها هو ساعى البريد حاملاً خطابًا من بلد أخرى أو محافظة أخرى، تأخذه منه وتظل تتقافز فى مكانها بفرحة وهى تقاوم فضولها الذى يراودها أن تفتحه لتطالع التذكارات الصغيرة داخله التى أرسلتها واحدة من صديقاتها بالمراسلة.
خطاب تلقته نرمين
هذا المشهد لا يحدث فى الثمانينيات ولا التسعينيات وإنما يحدث الآن فى زمن "السوشيال ميديا" والإنترنت لأن نرمين تؤمن بأن "المراسلة شيء عظيم جدًا لا تقارن أبدًا بالتواصل على السوشيال ميديا". قصة نرمين مع المراسلة بدأت فى وجود الإنترنت، فهى من مواليد 1992 ولم تلحق العصر الذهبى لصداقات المراسلة لكنها لم تحرم نفسها منها أبدًا، وعلى عكس الذين استغنوا عن الخطابات بالإنترنت، استغلت نرمين شبكات التواصل الاجتماعى للبحث عن أشخاص لهم اهتمامات مشابهة لتبدأ مراسلتهم عبر البريد ويتوقف تواصلهم من خلال الإنترنت.
خطاب أرسلته نرمين لواحدة من صديقاتها
تحكى نرمين: بدأت تقريبًا من 6 سنوات وأول خطاب أرسلته كان لصديقة من الإسكندرية، وقعت وقتها فى غرام الطوابع ورحلة البريد وتحضير الكروت والرسومات التى أرفقها بالخطاب. لكن للأسف لا يحب الكثيرون فى مصر هذه الفكرة ولا يشجعونها، فبدأت البحث خارج مصر ووجدت أن هناك ما يسمى "pen friend" أى صديق القلم، بدأت أبحث عن أشخاص لهم نفس الاهتمامات وأطلب منهم أن نتواصل عبر البريد.
صندوق خصصته نرمين لخطاباتها
أغرمت نرمين بالفكرة وتقول "أصدقائى خارج مصر كانوا يبهروننى بهداياهم التى تميز بلدهم، من باكيتات الشاى بنكهات مختلفة إلى اللبان والمصاصات والأوراق الملونة"، تضيف بحماس "أشياء تبدو تافهة للبعض لكنها عظيمة جدًا بالنسبة لي".
تذكارات حصلت عليها نرمين من أصدقائها من جميع أنحاء العالم
هذا الطقس الغريب فى الوقت الحالى والهواية التى أصبحت قديمة، كانت شائعة جدًا حتى ظهر الإنترنت فى مختلف دول العالم وبلغت ذروتها فى الثمانينيات والتسعينيات، ولم تخل مجلة فى ذلك الوقت من صفحة أو اثنتين لهواة المراسلة، تأتى محملة بالصور وعناوين البريد ونبذة مختصرة قصيرة عن أبرز الهوايات والسن، وهى العوامل التى كان هواة المراسلة يختارون على أساسها من يراسلونهم.
وإلى جانب ركن المراسلة فى المجلات كان هناك دليلاً سنويًا لعشاق المراسلة من جميع أنحاء العالم وخدمة الشباب الدولية (International Youth Service IYS) التى تطلقها منظمة فنلندية تحمل الاسم نفسه تعمل كوسيط بين الشباب من جميع أنحاء العالم ليكونوا أصدقاء بالمراسلة.
استمارة خدمة الشباب الدولية
فى هذا الزمن الذهبى للصداقة بالمراسلة كانت "رحاب عصر" تبدأ تجربتها مع الفكرة وتحكى لـ"اليوم السابع": كنت فى الثانوية عام 1986 وعرفت الفكرة من خلال أصدقاء كانوا يراسلون أصدقاء من دول أجنبية من خلال خدمة الشباب الدولية، وطلبوا منى إضافة عنوانى وملء استمارة، وبالفعل ملأت الطلب وجاء الرد بعد أسبوع، وبدأت مراسلة فتاة من هونج كونج وكانت علاقة صداقة جميلة استمرت 5 سنوات تقريبًا، وزارت الإسكندرية مرة فاستقبلتها وقضيت معها يومين كمرشد لها.
رحاب عصر
تجربة الصداقة الثانية من خلال المراسلة لرحاب كانت من خلال إذاعة مونت كارلو وتحكى "وسط البرامج كانت الإذاعة تعلن أسماء وعناوين هواة المراسلة وهواياتهم وكل شخص يختار من يراسله حسب المعلومات التى سمعها فراسلت فتاة أردنية فى فترة الجامعة".
من خلال نفس المنظمة الفنلندية بدأت رحلة المهندس أحمد عبد الرحيم مع المراسلة ويحكى لـ"اليوم السابع": عرفتها عن طريق أصدقائى فى المرحلة الثانوية، كانوا يراسلون المنظمة ونرسل لهم الطلبات ويردوا علينا بقبول العضوية فى المنظمة وبعدها نراسلهم لتوضيح الدول التى أريد مراسلتها، وهم يتولون التنسيق بيننا.
نشرة خدمة الشباب الدولية
وأضاف المهندس أحمد عبد الرحيم "كنت أراسل فتيات من الولايات المتحدة الأمريكية ونجحت من خلال مراسلة عدد أكبر من الناس أن أرقى عضويتى فى المنظمة، وكنا نتبادل معلومات مختلفة عن الدراسة وعدد أفراد الأسرة والمدينة التى نعيش فيها والهوايات التى نحبها، ويمكن أن نتبادل أيضًا تذكارات تميز بلادنا".
وبعيدًا عن خدمات المراسلة اتخذت المهندسة دينا البحيرى طريقها لاقتحام عالم المراسلة فى عام 1995، حيث كانت وقتها فى الثانية عشرة من عمرها تقريبًا وتحكى: كنت مقيمة فى الكويت ولم يكن لدى أصدقاء إلا من خلال المدرسة، وكانت المراسلة منتشرة جدًا فقررت أن أجربها. بحثت فى المجلات عن أصدقاء مناسبين على أساس العمر والجنسية فقد كنت أبحث عن مصريات أو لبنانيات أو أجانب.
جانب من خطابات دينا
بطبيعتها الودودة طورت دينا صداقتها من المراسلة إلى المقابلات فى أرض الواقع ولازالت بعض صداقاتها بهم مستمرة حتى الآن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة