بينما تترجم كلمة "مصيف" الآن فى عقولنا إلى سهرات وحفلات وصور لانستجرام والاستجمام والهدوء، كانت الكلمة ذاتها تترجم قبل سنوات إلى الكثير من الذكريات المبهجة والتفاصيل مع الأهل والجيران والأصدقاء. هذا الاختلاف الكبير فى طبيعة أيام المصيف اقترن باختلاف مشابه فى وجهات السفر، فبينما كان المصيف قديمًا يعنى شواطئ الإسكندرية ورأس البر وجمصة ومرسى مطروح، أصبح الآن يترجم بشكل أساسى إلى الساحل الشمالى وشرم الشيخ وأحيانا دهب، فيما أصبحت جمصة ورأس البر مثار سخرية البعض.
إلا أن أبناء التسعينيات وما قبلها لا يقابلون هذه الوجهات بالسخرية أبدًا لما تحمله لهم من ذكريات لا يمكن تكرارها، يشاركونا بعضها فى هذه القصة.
المصيف فى أواخر الثمانينات.. بحر وشمسية وبطيخ ومسقعة
بحنين تحكى "أمل محمد" عن ذكرياتها مع المصيف على شاطئ استانلى فى الإسكندرية فى أواخر الثمانينيات، وتقول لـ"اليوم السابع": نعيش فى الإسكندرية وكنا نذهب إلى استانلى لأنه أقرب شاطئ لنا، لكن المصيف يكون له مذاق خاص لأن أهل أمى يأتون من القاهرة ويقيمون عندنا لنذهب جميعًا إلى البحر.
المصيف في الثمانيات ـ صورة أرشيفية
"شمسية وكراسى خشب من اللى بتتفتح وكوتشينة وبطيخ ومسقعة وراكيت" عدة أساسية تأخذها عائلة أمل كل يوم إلى البحر وتحكي: كانت الشواطئ هادئة جدًا وغير مزدحمة، وكنا نعشق اللعب بالكوتشينة وفى الرمل، وكان البطيخ والمسقعة من أساسيات البحر كل يوم إلى جانب الراكيت. تتنهد وتضيف: كانت متعة وأيام جميلة.
شاطئ ستانلى
بداية التسعينيات: صداقات "جيران الشمسية" ورحلة جنينة الحيوانات
بالنسبة لـ"آية قنديل" ابنة أسوان العشرينية، كان المصيف يمتد من اليوم الأول لإجازة الصيف وحتى اليوم الأخير منها لأن والدتها سكندرية ذات أصول أسوانية. كانت أيام "آية" فى الإسكندرية فى بداية التسعينيات حافلة بالمغامرات فتحكى "كنا بنلف ليل ونهار، ما بنسيبش فتفوتة فى الإسكندرية إلا ونشوفها، من الإبراهيمية لخالد بن الوليد لمحطة الرمل لسيدى بشر وسيدى جابر" وفى كل خطوة بالإسكندرية لها ذكرى: "ميامى عند خالتو، أكلة الفول والفلافل عند محمد أحمد، ومشوار الهريسة عند أحمد حسنين، وسيدى جابر فيها محل جدو، وقبل الطريق السريع عند البحر كشك مجلات وكتب وجرايد علمنى القراية من صغرى".
من ذكريات عائلة آية فى المصيف
وفى نهاية الأجازة تأخذ الجولات فى الإسكندرية طابعًا آخر حيث يبدأ مشوار شراء ملابس وأدوات المدرسة.
بعيدًا عن المغامرات اليومية كان للثلاثاء مذاقًا خاصًا بالنسبة لآية: "اليوم دا كنا بنروح البحر، كان يوم مقدس بكل تفاصيله. حلة المكرونة اللى بناخدها معانا البحر وطعمها غير أى مكرونة فى البيت. شيلة الشمسية والألعاب. العلاقات اللى على البحر اللى بتدوم يوم واحد لما نتعرف على العيلة اللى فى الشمسية اللى جنبنا ونتشارك تفاصيل حياتنا فى منتهى الأمان".
من ذكريات عائلة آية فى المصيف
أما الأيام العشرة الأخيرة من المصيف كانت أيضًا ذات مذاق مميز حيث يصل والدها من أسوان ليشاركهم الاستجمام "كانت زيارة حديقة الحيوانات أساسى طبعًا مع بابا".
منتصف وأواخر التسعينيات.. شرايط الكوكتيل ولمة العيلة وأكل المصيف
فى أواخر التسعينيات ازدادت تفاصيل رحلة المصيف فكانت المتعة تبدأ من التحضيرات مثلما تحكى "نهى صالح" لـ"اليوم السابع" عن "تحضير الأكل اللى ماما بتعمله عشان الطريق وإحنا مسافرين، وتحضير الهدوم والمايوهات والعوامات وألعاب البحر، شكل شنطة العربية وهى مليانة حاجات، الكاسيت وشنطة شرايط الكوكتيل لأن أغانى المصيف ليها طعم تانى".
لازالت "نهى" تذكر أيضًا مذاق السينما الصيفى التى تعرض فيلمين معًا، ثم اللعب والمشى على البحر وطعم الأكل فى المصيف والنوم مكدودين بعد يوم طويل من المرح، وتذكر حتى رائحة شقة المصيف.
ذكريات طويلة نسجتها "نهى" مع أسرتها على شواطئ مرسى مطروح ورأس البر "قبل هوجة الساحل ومارينا" وتقول "كانت رحلة ينظمها شغل بابا وماما".
فى رأس البر أيضًا وفى جمصة عاش "ضياء محمد" ذكريات سعيدة مع أسرته وأقاربه فى نهايات التسعينيات ويقول "كنا بنروحهم عشان أقرب للمنصورة، وعربيات زمان ماكانتش تستحمل مسافات طويلة، ومكناش نسمع عن السخنة ولا الساحل ولا مطروح. ولا يزال يتذكر هذه الأيام فى المصيف فى شكل ومضات سعيدة سريعة: "فاكر نادى الشرطة ولعب العجل، مضارب الراكيت والكرة اللى كل شوية تضيع، فاكر لما كنا 7 ننام على السرير وناس تصحى للصبح لحد ما اللى نايمين يصحوا ويدخلوا يناموا مكانهم، قعدة بالليل ولعب الطاولة والكوتشينة والصحوبية مع الجيران".
رأس البر
ومن نهايات التسعينيات إلى بداية الألفية الجديدة يتذكر "أحمد صقر" المصيف مع العائلة ويقول: فى البداية كنا نذهب إلى جمصة، وبعدها رأس البر ثم تطورنا وبدأنا نسمع عن الساحل والغردقة ومن هنا بدأت كل أسرة تصيف لوحدها بعد ما كنا بنروح 5 عائلات مع بعض، يستطرد: "حلاوة المصيف مرتبطة بالناس أكثر من المكان بالنسبة لى".
ولم يكن "أحمد" ينشغل باستعدادات المصيف من تجهيز طعام أو ملابس وإنما يقول "إحنا الشباب اللى كان بيفرق معانا تجهيز الراكيت والدومينو والكوتشينة، وباقى الاستعدادات بيقوم بيها الأهل".
بالنسبة لـ"أحمد" متعة المصيف فى الوقت الجارى قلت كثيرًا عن الماضى ويفسر: دلوقتى مفتقدين اللمة، كل أسرة انشغلت بظروفها وأحوالها وما بقيناش على تواصل كبير ببعض زى زمان، كنا بننبسط بأقل تكلفة وأقل إمكانيات وبنبقى فعلاً مبسوطين وبيحصل معانا مواقف كثيرة نفتكرها لحد دلوقتى".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة