فى محاولة جريئة باللغة العربية هى الأولى من نوعها نشر الدكتور على ياسين الجبورى، قاموس اللغة الأكدية العربية، قامت بنشره هيئة الثقافة والتراث فى أبو ظبى.
يذكر الجبورى سبب تأليفه لهذا القاموس أن الأكدية هى أقرب اللغات القديمة إلى اللغة العربية، ونظراً للتوسع فى الدراسات المسمارية فى الجامعات العراقية والسورية وحاجة الطلبة والباحثين العرب فى اللغات القديمة والمقارنة ولافتقار المكتبة العربية إلى مثل هذا القاموس والذى يعد فى الوطن العربى والمكمل للأعمال التى ظهرت سابقاً باللغة الألمانية أو الإنجليزية وسيستفيد منه كل أساتذة اللغة العربية، استخدم قاموس شيكاجو لأنه الأفضل من بين ما ذكر أعلاه كنموذج للعمل مع الأخذ بنظر الاعتبار القاموس المختصر للغة الأكدية، حاولت إعطاء كل المعانى باللغة العربية والتى وردت فى قاموس شيكاغو ووضعت علامة النجمة أمام كل الكلمات الأكدية التى لا تزال مستخدمة فى اللغة العربية لفظاً و معنى و التى يزيد عددها على 1700 مفردة، هناك الكثير من الكلمات قد لا تبدو للقارئ وللوهلة الأولى أنها مطابقة للفظة العربية وذلك لتغير لفظ الحرف أو الحروف ويصبح من الصعب تمييزها إلا لأصحاب الاختصاص.
يعود الفضل فى شهرة اللغة الأكدية لاستخدامها لتدوين سجلات سرجون وخلفائه، فقد أصبحت اللغة الرسمية للدولة ولغة المراسلات الدبلوماسية والشخصية إضافة إلى النصوص التذكارية والوثائق اليومية، بينما انقرضت اللهجات الشرقية الأخرى لأنها لم تدون ومن المحتمل أن تكون اللغة الأم البابلية والأشورية، اكتشفت نصوص الأرشيفات الأكدية فى كل من مثلث الخابور ومدينة آشور وكاسور (يورغان تبة قرب كركوك)، سليمة فى منطقة ديالى، كيش، نيبور، وأداب، وأور، ولكش، وكرسو فى كل بلاد بابا وفى مدين سوسة فى بلاد عيلام (خوزستان حالياً)، هذا الانتشار اللغوى الجغرافى يتناسب مع امتداد الإمبراطورية الأكدية، خلال عصر سلالة أور الثالثة والنهضة السومرية الجديدة فإن التداخل بين الأكدية والسومرية واضح ولكن الأكدية القديمة استمرت فى شمال بابل وأكدية أور الثالثة فى أقصى الجنوب، فى منطقة الفرات الأوسط توجد إشارات إلى تطورات الأكدية خارج بلاد بابل فى كل مارى (تل الحريرى)، وترقا (تل العشارة) قرب دير الزور، ومن المحتمل أنها كانت دويلات تابعة لكل من السلالة الأكدية، ومن ثم لأور الثالثة ولكنها استقلت فى ما بعد مع مطلع الألف الثانى قبل الميلاد عندما تلاشت سلالة أور الثالثة، لكن لغتها السومرية استمرت فى الاستعمال فى دوائر الدولة إلا أن اللغة الأكدية أصبحت هى السائدة فى شمال بلاد بابل فى الأوساط الرسمية و الشخصية.
فى بلاد آشور اكتشفت فى كبدوكيا 21000 نص مدون بصيغة مبكرة من اللهجة الاشورية للغة الاكدية و التى تسمى الأشورية القديمة و تشكل أرشيفات شخصية آشورية من المراكز التجارية فى كل من قانش (كول تبة حالياً) كما عثر على نصوص مشابهة فى حاتوشا (بوغوزكوي)| و فى موقع على شار و فى مدين ىشور نفسها و محيطها و فى كاسور. و اللهجة الاشورية القديمة تختلف عن البابلية القديمة فى كثير من الجوانب حتى إن الكتبة الأشوريين استخدموا 130 علامة مسمارية.
تعتبر البابلية القديمة المظهر التقليدى للغة الأكدية وهى اللهجة التى تدرس عادة للطلبة المبتدئين و السبب فى ذلك هو أن صيغتها الجنوبية تعطى نظاماً مضطردا يعرض اختلاطها باللغات الأخرى، كما أنها تعد الواسطة التى حملت كل النصوص الموجودة و أشهرها قانون الملك البابلى حمورابى من القرن الثامن عشر قبل الميلاد و لو أنه لم يكن دستوراً و إنما جمع لأحكام قانونية سابقة وأنه بالتأكيد مكتوب باللغة الأكدية و يقرأ بلغته الأصلية. معظم مصادر قواعد اللغة تصف البابلية القديمة بانها التسمية للأكدية. جاءت معظم نصوص هذا العصر من مدينة سيبار و أور و لارسا ( سنكرة حاليا) قبل 25 سنة ويعتقد بأن التسمية للأكدية. جاءت معظم نصوص هذا العصر من مدينة سيبارو و أور و لارسا (سنكرة حالياً) قبل 25 سنة ويعتقد بأن عددها قريب من 15000 نص ولكن هذا العدد قليل إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار النصوص التذكارية الملكية و الشخصية مثل الكتابات النذرية، الدفن، نصوص الفأل والفلك إلخ.. وعلاقتها بنصوص الطقوس الدينية، المفردات اللغوية من قوائم المصطلحات و نصوص التمارين مثل المسائل الرياضية و نصوص الوصفات الطبية و العلاجية و وصفات الطبخ إلخ.. كذلك النصوص الأدبية الأكدية جاءت من العصر البابلى القديم ولو أنها شحيحة، وذلك لأن كتابات المدارس السومرية استمرت لغة الإرشاد و التوجيه إلى أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد حيث كانت ولا تزال أقدم الآداب السومرية المستنسخة المدونة.
وتشمل مجموعة النصوص البابلية القديمة الرقيات السحرية، التعاويذ خلاصات الفأل بكل أنواعه، الأناشيد، الصلوات، الرثاء، الأمثال، القصص الخرافية، أدب الحكمة والحب، الشعر، الأساطير، الشعر القصصى، كل هذا يدل على أن البابليين عرفوا لغة شعرية نابضة بالحياة، دوّن بعض من هذه النصوص بلغة شعرية رفيعة المستوى وسميت (بلهجة الترايل الملحمية). عثر على نسخ من هذه الأعمال الأدبية فى كل من بلاد عيلام وفى موقع بالقرب من ديار بكر فى فلسطين، مع أرشيف مدينة مارى يصبح عددها بحدود 2000 نص ويضاف إليها اكتشافات صغيرة فى كل من تل الرماح وحوض حمرين ومواقع أخرى من بلاد الرافدين، أما أرشيف شمشارا فى وادى الزاب الأسفل فى شمال العاق فيشير إلى لهجة محلية قريبة من لهجة نصوص مارى ولكن أسماء الأعلام تشير إلى سيطرة اللغة الحورية. اللهجة الأكدية الورية يمكن مشاهدتها فى نصوص ألالاخ(تل أجان حالياً) فى تركيا. كتبة ألالاخ استخدموا البابلية القديمة و لكن السمة الحورية واضحة فيها.
جاءت نهاية سلالة حمورابى عندما سقطت بابل بسبب هجوم المغامر الحثى مورسلين الأول و بتاريخ متفق عليه هو عام 1595 قبل الميلاد و هجرت بابل لعدة سنوات. هذا السقوط يؤشر إلى نهاية اللهجة البابلية. الفراغ السياسى فى بابل شغلته سلالة من أصل كشى و بأعداد قليلة من سلالة حكام البحر إلى القرن الثانى عشر قبل الميلاد حيث ىل العرش إلى عدد من الحكام عرفوا بأسم سلالة آيسن الثانية (1157 – 1.26 ق.م). سميت اللغة البابلية خلال الفترة الكشية وهذه الفترة باللهجة البابلية الوسطي. يبلغ عدد نصوص هذه الفترة بحدود 15000 نص لا تزال تنتظر النشر، أما نصوص القرنين الرابع عشر و الثالث عشر قبل الميلاد فهى من نيبور و تبلغ 12000 نص و أغلبها رسائل و وثائق يومية، إدارية يضاف إليها مجموعة صغيرة من النصوص الإدارية من أور، و دور كوريكالزو، وبابل، ويؤرخ معظمها إلى القرنين الثالث عشر والثانى عشر قبل الميلاد.
خلال هذه الفترة أصبحت اللغة الأكدية بلهجتها البابلية القديمة اللغة الدبلوماسية لملوك الشرق الأدنى القديم.رسائل كل من الملكين الكشيين كدشمان – انليل و بورنابورياش الثانى وجدت فى الأرشيف المصرى الذى أكتشف عام 1880 فى تل العمارنة (أخناتون القديمة) العاصمة ذات العمر القصير للفرعون أمنوفس الرابع من القرن الرابع عشر، و من هذا الأرشيف 90 رسالة أخرى لملوك كشيين بقيت كنسخ أرشيفية. النصوص التذكارية لهذا العصر نادرة، و نصوص منح الأراضى كتبت بالبابلية الوسطى وقد سميت بــــــ (كدورو). يعرف الألف الثانى قبل الميلاد بأنه عصر النشاط الأدبى والتأليف ومن خلالها وصلتنا مؤلفات قديمة محدثة لكن بنمطها الأصلى وأغلبها باللغة الأكدية مما يشير إلى إهمال اللغة السومرية.
فى بلاد آشور استمرت الأكدية كلغة محادثة محلية و لغة كتابة أيضاً وفى أواخر الألف الثانى قبل الميلاد سميت بالأشورية الوسطي. هناك الكثير من الفجوات بين صيغ الأشورية القديمة والوسطى. جاءت نصوص العصر الأشورى الوسيط الإدارية والرسائل الرسمية من مدينة آشور وتمتد من القرن الرابع إلى القرن الحادى عشر قبل الميلاد، إلا أن غالبيتها من القرن الثالث عشر قبل الميلاد مثل نصوص تل البلا قرب نينوي، و تل الرماح وحديثاً من تل تبان فى سوريا. منذ عهد أدد نيرارى الأول (1307 – 1275 ق.م) ظهرت الكتابات الملكية والتى تبين استمرار اللهجة البابلية الوسطى و منذ سقوط بابل فى 1230 قبل الميلاد أصبحت الغلبة لبلاد آشور عسكرياً وسياسياً. معظم الكتابات البابلية التقليدية أصبحت معروفة فى بلاد آشور منذ القرن الحادى عشر. النصوص الأشورية كثيرة منها مدح الملوك مثل ملحمة توكلتى ننورتا الأول، مجاميع القوانين الأشورية الوسطي، المراسيم الملكية الفريدة، تنظيمات و توجيهات البلاط الأشورى و التى كتبت بأشورية وسيطة صرفة وكذلك واحدة من رسائل آشور أوبالط الاثنتين إلى الفرعون المصرى و التى وجدت فى تل العمارنة.
انتشرت الأكدية خارج بلاد الرافدين خلال هذا العصر، فقد عثر على وثائق رسمية فى ترقا فى الفرات الأوسط و أرشيف شخصى من إيكالاتى (تل مونيحا) و تل تبان شمال الفرات الأوسط. وفى كاسور المعروف بنوزى كشف عن 1700 نص تقريباً بين عامى 1920 و 1930 و تضم حوالى أربعين شخصياً ومؤسساتياً. إلى جانب هذه كشف فى أرابخا (كركوك9 وتل الفخار عن نصوص رسمية إدارية وقانونية ورسائل مكتوبة بالأكدية ولكنها متأثرة بالحورية. و وجدت اللغة الأكدية الحورية فى شرق المتوسط فى ألالاخ ومن القرن الخامس عشر قبل الميلاد فى المعاهدات قبل الميلاد فى المعاهدات التى شملت الحكام المحلين، أدريمى و ابنه نقميبا و كتابات تمثال أدريمى الشخصي. الأدلة الأخرى يمكن أن تظهر فى الأرشيف الذى أكتشف فى التنقيبات الحديثة فى قطنا. هذا الأرشيف المكون من الرسائل والوثائق اليومية، سيلقى الضوء على العلاقات السياسية لدويلات المدن السورية مع القوى العظمى آنذاك. كما يدل هذا الأرشيف على استعمال تعابير حورية محلية مع اللغة الأكدية. عثر على أرشيف من القرن الخامس عشر قبل الميلاد فى فلسطين و على آخر من القرن الرابع عشر قبل الميلاد فى عيلام. كتابات حاتوشا الأول الحثى كانت مزودة بترجمة أكدية.
من ها يتضح أن اللغة الأكدية أصبحت لغة عالمية للمراسلات الملكية و تابات المعاهدات وفى خدمة وفى خدمة الدولة الحثية حيث كانت مستعملة فى رسائل تل العمارنة وكذلك وجدت فى مناطق أخرى متفرقة فى شرق البحر المتوسط فى كل من كوميدى (كامد اللوز) وصيدا فى لبنان وفى مواقع عدة فى فلسطين. هذه الاكتشافات تبين وجود شبكة من العلاقات الدبلوماسية بين آسيا الوسطى والشرق الأوسط واتباعهم وكانت اللغة الأكدية وسيلة للتفاهم فى ما بينهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة