لقطات عديدة تشاهدها أثناء تجولك فى الشوارع المصرية كل يوم، تلك التى تعبر بدرجة كبيرة عن حال المصريين على كافة المستويات، فهذا عامل يسعى لكسب رزقه، وذلك طفل يلهو ويلعب بأبسط الإمكانيات المتوفرة لديه، أو فلاح بسيط قرر العودة لمنزله بصبحة ابنه بعد يوم طويل من العمل الشاق فى أرضه الزراعية، وهؤلاء قرروا الحفاظ على التراب بصناعة النول وبيع الإكسسوارات النوبية.. حكايات كثيرة ترصدها لنا عدسة كاميرا اليوم السابع لتحكى كل يوم قصة كفاح مصرية جديدة، ونقدم لكم حكايات الشارع على مدار الأسبوع الماضى.
بالقطن الخالص "النول" حدوتة مصرية
صورة اليوم تعبر بدرجة كبيرة عن قدرة البعض على الاحتفاظ بأصالة الصناعة المصرية، فرغم تطور الماكينات إلا أن نسج الملابس على "النول"، من أبرز الحرف التى ما زالت تحتفظ بكل مكوناتها بالشكل المعتاد منذ عهد الفراعنة، تلك التى لا يستخدم فيها إلا القطن المصرى الخالص، وكأنها "حدوتة مصرية" من البداية للنهاية، فأثناء تجول كاميرا اليوم السابع فى أحد الشوارع المصرية التقطت تلك الصورة لأحد العمال المصريين الذى اتخذ من تلك الحرفة عملًا منذ نعومة أظافره شب وشاب عليها.
يمزج الخيوط جنبًا إلى جنب، وينتج شال مصرى خالص بألوانه الزاهية، ومجموعة مميزة من العباءات التى لا يخلو منها دولاب أى سيدة مصرية، ورغم أن أغلبنا ربما يعرف شكل المنتجات، إلا أن الكواليس التى دارت من أجل إخراجها بتلك الصورة غامضة بالنسبة لقطاع كبير منا، فكل شكل فيها وقف خلفه مجهود كبير، وتاريخ لحرفة سبقت الكثير من الصناعات المتطورة واستطاعت أن تصمد أمامها حتى الآن.
ولسه قلبها متعبش من المشاوير
قضت وقتًا طويلًا فى إعدادها واختيار الألوان المناسبة لها لتعبر عن ثقافة الشعب النوبى من خلالها، تلك المنتجات اليدوية المحببة لقلوب الكثيرين، فصنعت تلك السيدة التى ترك الزمن أثره على ملامحها مجموعة من الإكسسوارات وخرجت من منزلها تتجول فى المنطقة التى يتوافد إليها السياح وزوار النوبة للاستمتاع بالمناظر الخلابة، ومقابلة نوعية خاصة من القلوب البريئة والوجوه التى زينها السمار وأضفى عليها لمحات من النقاء.
لقطة اليوم لامرأة نوبية راحت تبحث عن رزقها من خلال بيع بعض الهدايا النوبية فى الشارع، حملت المشنة ممتلئة بالمنتجات أعلى رأسها، واتشحت بالعباءة والشال الأسودين اللذين لا يغيبا عن ذهنك إذا فكرت فى شكل المرأة المصرية الأصيلة.
مشاوير عديدة تخوضها تلك المرأة كل يوم باحثة عن رزقها دون أن تفقد الأمل أن يصيبها الملل، بل حملت المنتجات فى يديها وفوق رأسها، وفاض قلبها ووجهها بالرضا الذى يعينها على استكمال رحلتها، وكأنها تقتبس من النيل عبارة غنيت له "ولسه قلبه لم يتعب من المشاوير"، لتصبح هى التى يعافر قلبها فى الحياة، ولم يتعب من مشاوير تجولها ببضاعتها فى شوارع النوبة.
محلاها عيشة الفلاحة
"محلاها عيشة الفلاح" هكذا تغنى عبد الوهاب قبل سنوات بكلمات بيرم التونسى، وحتى اليوم يغزل الأطفال نفس حكايات عيشة الفلاحة بالكثير من التفاصيل وعلى رأسها الخبيز فى الفرن البلدى، حيث استيقظت الطفلتان فى الصباح الباكر على رائحة الخبز البلدى تفوح فى المنزل بأكمله، فجلست كل منهما للمشاركة فى ذلك المشهد الذى اعتادا عليه طوال الوقت، يقضيان وقتًا طويلًا جنبًا إلى جنب، فى النوم، واللهو مع الجيران، فيشهدان تفاصيل عديدة تشكل طفولتهما وتحفر فى أذهانهما مهما مرت بهما السنوات.
لقطة اليوم لطفلتين من إحدى القرى المصرية أثناء جلوسهما أمام الفرن البلدى للعب بأعواد خشبية، ترسم ملامح تساهم فى تغيير إدراكهما للواقع، وتعرفهما على جوانب مختلفة من حياة القرية المصرية، والتى لا تعيشها الكثيرات ممن فى نفس عمرهما، فتنضجا تحلم كلاهما بأن تصبح مسؤولة عن منزل بمفردها، وتعطى نموذجًا للجلد وتحمل مسئولية أسرة بأكملها.
يا أبو جلابية.. عمة وقفطان بتوع زمان
اعتادوا على ارتداء ملابس معينة تميزهم عن غيرهم من أهل المدن، فعندما تتجول فى إحدى القرى ستجد أن أغلب الرجال والأطفال الذكور من حولك يرتدون الجلابية التى تبرز هويتهم بشكل واضح، إلا القليل منهم ممن اختاروا ارتداء ملابس عادية كتلك التى نراها فى المدن العادية، ليصبحوا الشاذ عن القاعدة التى اعتادوا عليها طوال عمرهم، هذه هى الحياة التى يعيشها الفلاح المصرى وسط الأرض الزراعية، والتى التقطت عدسة الكاميرا لأحدهم هذه الصورة.
جلس على حماره مع طفله الصغير الذى يحاول أن يجعله يتعلم مهنة أبوه وأجداده، وحملا معهما حمولة لنقلها إلى مكان آخر، وبدا على ملامحه التعب والإرهاق بعد يوم طويل من العمل.
جرب حاول عاند
تفاصيل عديدة يحتضنها الشارع المصرى، وبئر من الحكايات لا ينضب أبدًا، كلما تواجدت فى أى مكان لابد وأن يمر بجانبك نموذج للكفاح والصبر، ومزيج من لحظات الألم والأمل التى تتخلل قصص الكثيرين، ولعل مرور ذلك الشاب فى أحد الشوارع المصرية لواحدة من قصص الكفاح.
حمل تلك القفة كبيرة الحجم بواسطة حبل على ظهره، وتراكمت الأكياس والكراتين بداخلها، فكان عموده الفقرى خير صديق وفى يعاونه على استكمال طريقه، فهو من أحد الوجوه الشابة التى تبحث عن اكتساب رزقها بطريقة مشروعة، لا يهم طبيعة عمله، ولكن الأهم هى الخطوات التى يبصم بها على الأرض لساعات طويلة على مدار اليوم ليسجل اسمه وسط الشباب الذين عاندوا الظروف، ولم يستسلموا للأعباء المتراكمة.
لقطة اليوم مثال حى للمعافرة وتحمل المسؤولية، فذلك الجبل الصغير الذى حمله ذلك الشاب على ظهره إنما يدل على قدر الصعوبات التى يواجهها كل يوم، وحجم الأفكار التى تشغل تفكيره من أجل رسم مستقبل لنفسه، يساعده على تحمل ما يواجهه من أعباء ومتطلبات يومية.
الاسم لقمة القاضى والأكيل "غلبان"
طبلية خشبية وأنبوبة لموقد النار الصغير وحلة كبيرة مليئة بالعجين و"طاسة" للتحمير.. هذا هو رأس مال مشروعها الصغير الذى قررت أن تلجأ إليه لمساعدتها على تحمل أعباء الحياة والأسرة، والذى طالما رافقها فى رحلة السعر للرزق.
جلست من الساعات الأولى للصباح على رأس الحارة لطهى لقمة القاضى وبيعها للصغير قبل الكبير، تلك الوجبة الأقرب لقلب أطفال هذه المنطقة، والذين أصبحوا مع مرور الوقت يعرفونها عن ظهر قلب، ويتراصون بذلك الشكل من أجل الحصول على كرات لقمة القاضى اللذيذة.
لقطة اليوم من أحد الشوارع المصرية التى لا تنضب قصصها أبدًا، وتحتوى تفاصيلها على العديد من نماذج الكفاح، والبحث عن اكتساب الرزق بأبسط الطرق، فتلك المرأة استعانت بتلك الأكلة البسيطة كى تكون مشروعها الذى توفر منه الدخل ليعينها على إعالة أسرتها، ولم تستسلم للظروف، أو انتظار الحلول حتى تتوفر، بل أخرجت من واقعها البسيط مصدر رزق يعينها على مطالب الحياة.
صياد وروحت اصطاد "عشان الرزق"
"الصيد بيعلم الصبر"، عبارة تسمعها كثيرًا عن تلك المهنة التى لا يعرف كواليسها سوى العاملين بها، ولكن إذا دخلت لعالمهم ستجد أن تفاصيلها أكثر من تعلم الصبر فقط، بل تحمل المسؤولية، ومواجهة الصعاب خلال رحلة الصيد التى تبدأ مع الساعات الأولى لشروق الشمس، وبذل الجهد والعرق من أجل العودة إلى المنزل بالمال الذى يعينهم على العيش الكريم، فتجدهم يصنعون شباكهم بأياديهم، ويلونون المراكب ويزينونها بالعبارات الملهمة التى يؤمن بها صاحب كل مركب فى حياته.
لقطة اليوم لبعض الصيادين أثناء استعدادهم لبداية رحلة الصيد اليومية، متمنين العودة وشباكهم ممتلئة بالخير الوفير من البحر، ويستلهموا القوة من تواجدهم مع بعضهم البعض خلال الرحلة، وتحفر تلك التفاصيل فى ذاكرتهم للأبد، فبداخل عالم الصيد لا شك الكثير والكثير من الأسرار التى لا يعرفها سوى هؤلاء الصيادين والبحر يشاركهم فيها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة