بالأمس ناقشت مسألة عدم معرفة أبناء الأجيال الجديدة لأهم نجوم السينما المصرية، مؤكدا أنه من الطبيعى أن تحدث عملية «إزاحة» لكل قديم كلما مرت السنون وتعاقبت الأجيال، ضاربا المثل بالفنان المصرى الرائد «عبده الحامولى» الذى ظل حتى بعد وفاته «1901» بعشرات السنين متربعا على عرش الغناء المصرى حتى أتت السيدة أم كثوم فتسيدت على الجميع، ولم يبق لعبده الحامولى ذات المكانة إلا عند بعض المسنين ودارسى الفن، غير أنى طرحت فى نهاية المقال سؤالا، وهو إذا كانت أم كلثوم قد أزاحت «عبده الحامولى» من على عرش السماع فى مصر، فلصالح من يتم الآن إزاحة نجوم ونجمات «زمن الفن الجميل»؟
الحقيقة فى كل هذا أننى لا أتباكى على تاريخ مصر السينمائى الذى يغيب عن أذهان المصريين الآن رويدا رويدا وهو أمر جدير بالبكاء، لكنى أبكى حقا على ما كان يمثله هذا الفن من أهمية، وما كان يلعبه من أدوار وما كان يحمله من قيم، فنحن ننسى غالبا تلك الموارد التى عرفنا الوطن منها ورأينا الوطن فيها وأحببنا الوطن من خلالها، ننسى كيف بكينا مع أغنية «يا بلادى يا بلادى أنا بحبك يا بلادى» فى فيلم «العمر لحظة» وننسى تلك الحماسة التى كانت ترفعنا إلى سماء الوطنية فى «وطنى حبيبى الوطن الأكبر» وننسى تلك الحالة من الزهو والفخار التى كانت تدب فى أوصالنا حينما نسمع «أنا إن قدر الإله مماتى لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى» وننسى تلك المنظومة الراقية التى كانت تتسرب إلينا من أفلام «الزمن الجميل» من حب الخير وكراهية الشر والعمل على نجدة الملهوف وإغاثة المظلوم.
ننسى تلك الضحكات الصافية التى كانت تجرها إلى قلوبنا أفلام إسماعيل ياسين، وننسى هذا الغضب المصحوب بالحب الذى كان يسكننا كلما رأينا «فى بيتنا رجل» وننسى تلك الرومانسية الحالمة المشبعة بالروح النضالية التى زرعها فينا فيلم «رد قلبى» وننسى أن حالة الرفض لكل ما هو زائف دخلت إلى قلوبنا على يد «سواق الأوتوبيس» أو «كتيبة الإعدام».
ننسى أيضا من ضمن ما ننسى أننا لم نر الوطن جهرا إلا فى تلك الأغنيات، ولم نشاهده فى مراحل كفاحه إلا من خلال تلك الأفلام، ولم نعرف معالمه وتاريخه إلا من خلال هذه المشاهد، فبماذا نضحى؟ ولصالح من ننسحب؟ وكيف ولا نشعر بالعار ونحن نرى وطننا ومعالمه ورموزه ينسحبون من حياتنا يوما بعد يوم، حتى نصير أغرابا ويصير الوطن غريبا، ونتحول إلى كائنات بالية يسكنها الموات؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة