بالقوة والحسم، هكذا واجه البابا تواضروس الثاني أزمة مقتل الأنبا ابيفانيوس رئيس دير أبو مقار العامر الأسبوع الماضي داخل الدير، حيث رأى البابا -الذى وجه لومًا شديدًا للرهبان في جنازة أبيهم "الانبا ابيفانيوس"- بأن هناك إجراءات حازمة لابد أن تتخذ لإعادة الحياة الرهبانية لسيرتها الأولى حيث آباء البرية الزاهدين غير الطامحين في شهرة ولا مالولا جاه.
قرارات لجنة شئون الرهبنة التي دعاها البابا تواضروس لاجتماع استمر حتى ساعة متأخرة من مساء أمس ثم صدق عليها صباح اليوم، تطرح عدة تساؤلات عن مستقبل الأديرة القبطية بعد تلك القرارات.
البابا تواضروس في صلوات الجنازة
السؤال الأول:لماذا قررت الكنيسة تحديد عدد الرهبان في كل دير؟
دير الانبا مقار
في الحياة الرهبانية، ينتسب الراهب إلى ديره ويتسمى باسمه فيصير الدير لقبه، على سبيل المثال يحمل رهبان دير أبو مقار اسمائهم القبطية بعد الرهبنة واللقب المقاري، الأنبا ابيفانيوس يحمل لقب ابيفانيوس المقاري، إذ كان راهبا في دير أبو مقار أما البابا شنودة فكان يسمى انطونيوس السرياني لأنه من أبناء دير السريان، وهكذا إلا أن قرارات الكنيسة الجديدة تعني أن هناك حركة انتقالات سوف تشهدها الأديرة القبطية إذ يعني تحديد عدد الرهبان في كل دير، أن بعض الرهبان سوف يغادرون أديرة ويقيمون بأخرى، ولعل دير القديس الأنبا مقار هو أحد أهم الأديرة المستهدفة من هذا القرار، إذ ينقسم الدير إلى مدرستين فكريتين، بعض الآباء من سكان الدير الأصليين من أبناء الرعيل الأول والثاني من تلاميذ متى المسكين، أما باقي الرهبان فهم من وفدوا إلى الدير بعد وفاة المسكين عام 2006، أو من انضموا للبابا شنودة بعد زيارته الشهيرة للدير عام 2009 التى أراد بها إخضاع دير أبو مقار لسيطرة الكنيسة إداريا بعدما عمد إلى تغيير الشكل الرهباني لرهبان الدير وحمل معه في سيارته 120 قلنسوة رهبانية "غطاء الرأس"، ممن كانت مفروضة على كل رهبان الأديرة، بينما امتنع رهبان دير أبو مقار عن ارتدائها.
القرار السابق يعني بوضوح أن البابا تواضروس سوف يفض الخلافات القائمة بالدير، التى لم ينجح معها الحوار، فتعمل الكنيسة على تغيير مواقع الرهبان بالدير الأزمة، عن طريق إرسالهم لأديرة أخرى، واستقبال أخرين بدلا منهم، خاصة وأن بعض القرارات التي اتخذتها لجنة شئون الأديرة كانت من بين التحذيرات التى اطلقها البابا تواضروس في جنازة الانبا ابيفانيوس حين قال للرهبان "إخرجوا الانحراف من بينكم، أنتم ليسوا تابعين لأحد بل تتبعون القديس مقار، وكفوا عن الظهور في الإعلام"، وهو ما تقرر رسميًا.
السؤال الثاني:ما الذي دفع الكنيسة لتهديد جامعي التبرعات بالتجريد من الرتب الكنسية؟
تحذيرات من جمع التبرعات
من بين رهبان دير أبو مقار يبرز اسما الراهبين "يعقوب المقاري" ومرقس المقاري"، إذ أعلن الانبا ابيفانيوس في بيان له نشر بمارس عام 2015 عن عدم مسئولية الدير عن أي تعاملات مالية أو تبرعات يجمعها الراهب يعقوب المقاري الذى تم تسريحه من الدير.
تعود قصة الراهب يعقوب المقاري إلى سنوات الفراغ التي عاشها دير الأنبا مقار بلا رئيس أو أب روحي، حيث انخرط "يعقوب" في جمع تبرعات لإنشاء دير باسم السيدة العذراء والأنبا كاراس بوادي النطرون وقد نجح في إنشاء أجزاء كبيرة منه بالفعل، حتى أكد البابا تواضروس إن الكنيسة لا تعرف ديرًا بهذا الاسم وأن هذا الدير غير تابع لها إداريا ولا كنسيًا محذرا جموع الأقباط من التبرع له، وهو الأمر الذى يفسر القرار الأول للبابا " الأماكن التى لم توافق البطريركية على إنشائها كأديرة سيتم تجريد من قام بهذا العمل من الرهبنة والكهنوت والاعلان عن ذلك , مع عدم السماح بأى أديرة جديدة إلا التى تقوم على اعادة احياء أديرة قديمة , ويتم ذلك من خلال رعاية دير معترف به ( عامر ) .
يعقوب المقاري
في أكتوبر 2017 أصدر دير أبو مقار بيانا موقعا من رئيسه الأنبا ابيفانيوس يعلن فيه أن الدير ، لم يكلف المدعو «مرقس المقاري» بجمع تبرعات، مؤكدا أن الدير ليس له مندوبون أو كلف مندوبين سواء من الرهبان أو العلمانيين يجمع تبرعات، لتلتصق قضية جمع التبرعات بدير أبو مقار من جديد.
السؤال الثالث: لماذا أمهلت الكنيسة الرهبان شهرًا لغلق صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي؟
داخل دير الأنبا مقار
تعرف الرهبنة بالموت عن العالم وحياة الفقر الاختياري، ففي طقوس رسامة الرهبان، يدفن الراهب وتصلى عليه صلاة الأموات وتنقطع صلته بحياته السابقة ليبدأ حياته مع الله، يتغير اسمه الذى ولد به ويتخذ اسمًا قبطيًا أو يونانيًا، يصبح لقبه مشتقًا من اسم الدير الذى سيقضي فيه بقية حياته، فيه يعيش وبمقابره يدفن، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت نشاطًا ملحوظًا للآباء الرهبان على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يضرب مبدأ أساسيا في الرهبنة وهو "الموت عن العالم"، يعود الراهب عبر صفحته على الفيس بوك إلى العالم مرة أخرى، يتواصل مع أقاربه أو أصدقائه أو حتى رعيته عبر التكنولوجيا، يعلق ويشارك ويتناقش فتتجرد الرهبنة من جوهرها وتنتفي عنها صفة العزلة.
أما التحذير الذى وجهه البابا للرهبان أثناء جنازة الانبا ابيفانيوس حين قال لهم "كفوا عن التواصل مع الإعلام أنتم رهبان اخترتم الحياة مع الله"، فلقد تحول التحذير الشفوي إلى قرار مكتوب قد يعرض الراهب للتجريد من رتبته الرهبانية في حال ثبت تواصله أو تفاعله مع وسائل الإعلام، حيث انخرط رهبان دير الأنبا مقار بعد الحادث في المداخلات التليفونية على الفضائيات وصرحوا للصحف مما دفع البابا لتحذيرهم بل وتهديدهم.
السؤال الرابع:لماذا قررت الكنيسة قصر رحلات الأقباط للأديرة على مواسم معينة؟
"تستقبل الأديرة الزيارات والرحلات طوال العام باستثناء فترة صوم الميلاد والصوم الكبير فتكون أيام ( الجمعة والسبت والأحد ) فقط من كل اسبوع والتحذير من زيارة الأماكن غير المعترف بها وهى مسئولية الايبارشيات والكنائس"، هكذا جاء قرار لجنة شئون الأديرة الذي صدر اليوم وهو ما دفع لطرح السؤال عن السبب وراء ذلك.
الأمر يتعلق أيضًا بالعودة لجوهر الرهبنة، في السنوات الأخيرة شهدت الأديرة نشاطا غير مسبوقا للرحلات القبطية التي تعتبر من أهم مصادر دخل الدير، إلا أن تلك الرحلات التي تزحم كنائس الأديرة وساحاتها بالنساء والأطفال والشباب، تخرج الرهبان عن تركيزهم في حياة الوحدة مع الله التى خرجوا لأجلها إلى الصحراء، فأصبحت أديرة قديسي القرن الرابع التي انطلقت منها قطار الرهبنة ليغزو العالم، مجرد أماكن للتنزه وقضاء الأجازات، دون النظر إلى قداسة تلك الأماكن ودلالاتها الروحية.
السؤال الخامس: لماذا قررت الكنيسة إيقاف الترقيات بين الرهبان لرتب الكهوت؟
من بين قرارات الكنيسة الحاسمة التي اتخذتها أمس، التوقف عن استقبال رهبان جدد لمدة عام، ووقف الترقيات بين الآباء الرهبان لرتب الكهنوت "القسيسية والقمصية" لمدة ثلاث سنوات.
في العام الذى تقرر فيه الكنيسة إيقاف استقبال رهبان جدد، سوف يعمل البابا تواضروس مدفوعًا بجهود الأساقفة أعضاء لجنة شئون الرهبنة، على إعادة ترتيب المشهد داخل الأديرة مرة أخرى، مثلما أسلفنا وقد تشهد الأديرة حركة انتقالات بين رهبانها بالشكل الذى لا يمكن معه استقبال رهبان جدد.
أما القرار الخاص بإيقاف الترقيات لمدة ثلاث سنوات، فهي من بين محاولات البابا لضبط شهوة "المناصب" التي قد تعرف طريقها لرهبان الأديرة،وفقا لقوانين الكنيسة يحق للراهب أن يتمتع برتبتي الكهنوت "قس وقمص"، فيستطيع أن يمارس الأسرار المقدسة بناءا على تلك الترقية كذلك فإن الرهبان هم المرشحون ربما الأبديون لاعتلاء المناصب العليا في الكنيسة "الأسقفية" والباباوية، فلا يحق لغير الرهبان الانضمام لعضوية المجمع المقدس (باستثناء وكيلي البطريركية)، ولا يحق لغيرهم التصويت على القرارات الكنسية المصيرية، إلا أن تلك الترقيات قد تدخل شهوة المناصب إلى نفوس رجال تركوا الدنيا لأجل الله، وهو ما يريد البابا تواضروس إعادته لكنيسته الكبيرة الأمر الذى يفسره قرارا أخرا ضمن سلسلة قرارات الفجر التي اتخذت أمس حيث يقول نصه " الاهتمام والتدقيق بحياة الراهب وإلتزامه الرهبانى داخل الدير واهتمامه بأبديته التى خرج من أجلها ودون الحياد عنها"، وهو نفس ما قاله البابا تواضروس في جنازة الأنبا ابيفانيوس حين ظهر غاضبًا وقال لرهبان الدير "اخرجوا الانحراف بعيدا عن الرهبنة وعودوا لحياة القديسين".
تبدو قرارات الفجر التي صدرت عن لجنة شئون الأديرة حاسمة جدًا إلا أن أزمة مقتل الأنبا ابيفانيوس داخل ديره جرت البابا تواضروس جرًا نحو سلسلة من الإجراءات الإصلاحية التي تستهدف ضبط الكنيسة بعد حادث هو الأول من نوعه في العصر الحديث.
نص قرارات الكنيسة التي صدق عليها البابا تواضروس
قف رهبنة أو قبول أخوة جدد فى جميع الأديرة القبطية الأرثوذكسية داخل مصر لمدة عام يبدأ من أغسطس 2018 م .
2- الأماكن التى لم توافق البطريركية على إنشائها كأديرة سيتم تجريد من قام بهذا العمل من الرهبنة والكهنوت والاعلان عن ذلك , مع عدم السماح بأى أديرة جديدة إلا التى تقوم على اعادة احياء أديرة قديمة , ويتم ذلك من خلال رعاية دير معترف به ( عامر ) .
3- تحديد عدد الرهبان فى كل دير بحسب ظروفه وإمكانياته وعدم تجاوز هذا العدد لضبط الحياة الرهبانية وتجويد العمل الرهبانى .
4- إيقاف سيامة الرهبان فى الدرجات الكهنوتية ( القسيسية والقمصية ) لمدة ثلاث سنوات .
5- الالتزام بعدم حضور علمانيين على الاطلاق فى الرسامات الرهبانية لحفظ الوقار والأصول الرهبانية الاصيلة .
6- تستقبل الأديرة الزيارات والرحلات طوال العام باستثناء فترة صوم الميلاد والصوم الكبير فتكون أيام ( الجمعة والسبت والأحد ) فقط من كل اسبوع والتحذير من زيارة الأماكن غير المعترف بها وهى مسئولية الايبارشيات والكنائس.
7- الاهتمام والتدقيق بحياة الراهب وإلتزامه الرهبانى داخل الدير واهتمامه بأبديته التى خرج من أجلها ودون الحياد عنها .
8- كل راهب يأتى بالأفعال التالية يعرض نفسه للمساءلة والتجريد من الرهبنة والكهنوت واعلان ذلك رسمياً :
أ- الظهور الاعلامى بأى صورة ولأى سبب وبأى وسيلة .
ب- التورط فى أى تعاملات مالية أو مشروعات لم يكلفه بها ديره .
ت- التواجد خارج الدير بدون مبرر والخروج والزيارات بدون إذن مسبق من رئيس الدير.
9- لا يجوز حضور الاكاليل والجنازات للرهبان إلا بتكليف وإذن رئيس الدير بحد أقصى راهبين.
10- إعطاء الرهبان فرصة لمدة شهر لغلق أى صفحات أو حسابات على وسائل التواصل الاجتماعى والتخلى الطوعى عن هذه السلوكيات والتصرفات التى لاتليق بالحياة الرهبانية وقبل إتخاذ الاجراءات الكنسية معهم
11- مناشدة جموع الأقباط بعدم الدخول فى أى معاملات مادية أو مشروعات مع الرهبان أو الراهبات وعدم تقديم أى تبرعات عينية أو مادية إلا من خلال رئاسة الدير أو من ينوب عنهم.
12- تفعيل دليل الرهبنة وإدارة الحياة الديرية الذى صدر من المجمع المقدس فى يونيو 2013 وهى مسئولية رئيس الدير ومساعديه .
1
2
3
4
عدد الردود 0
بواسطة:
ensan
مقال رائع
مقال رائع ووفي الشرح...شكرا للتوضيح للمعلومات.. أكثر الله من هؤلاء الصحفيين المحترمين والحياديين.