"الحلقة الأخيرة النهاردة" هذه الجملة شكلت إحدى أهم المقولات الثقافية فى التاريخ المصرى الشعبى، ومنذ أن بدأت الدراما التليفزيونية تعرف طريقها إلى البيوت وحتى اليوم، لكنها بلغت قمة مجدها فى ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، فى زمن الملاحم الدرامية.
بالطبع نتذكر فى البدايات، كان المسلسل المصرى لا يتجاوز الثلاث عشرة حلقة، زادت بعد ذلك لخمسة عشر حلقة وصلت إلى ثلاثين، بل تجاوزتها لفكرة المواسم، ومع ذلك فإن كل شىء لا قيمة له ما لم تكن الحلقة الأخيرة مجيبة عن الأسئلة المحيرة التى تشغل المشاهد طوال الحلقات، حيث يظل المشاهد متحملا كل الظلم والإجحاف والتفسيرات غير المفهومة من أجل الحلقة الأخيرة التى حتما سيجد فيها تحقيق العدالة والنجاح ونصرة المظلوم وهلاك الظالم والزواج السعيد.
المهم أن أى مسلسل يؤمن بفكرة التجريب ويحب أن يقدم نهاية مفتوحة فلن يحقق نجاجا يذكر مع الناس، حتى لو أعجب الناس بالحلقات نفسها، ليس هذا فقط بل إنهم حتى لا يحبون النهايات التى لا تتفق مع توقعاتهم، مثل أن يعيش "الظالم" ولا يخضع للعدالة الإنسانية، ومن المسلسلات التى لم تكن نهايتها متوافقة مع الحالة النفسية للمشاهد المصرى مسلسل "سامحونى ما كنش قصدى" للنجم ممدوح عبد العليم والفنانة إلهام شاهين، كذلك مسلسل قديم بطولة نور الشريف وصلاح السعدنى وصفاء أبو السعود وسميحة أيوب اسمه "ولسه بحلم بيوم" إنتاج 1981 فعندما وضع المخرج يوسف مرزوق "نور الشريف" الشرير فى مواجهة مع المغلوب على أمره "صلاح السعدنى" فى الحلقة الأخيرة وترك النهاية مفتوحة ولم ينصر المظلوم بشكل واضح، شعر المشاهد باختلال العدل.
والسؤال لماذا لا يحب المصريون النهايات المفتوحة؟ فى ظنى أن جزءا كبير من ذلك يرجع إلى "عقيدتهم الدينية" ولأنهم "متدينون بطبيعتهم" فالدين سوائ إسلامى أو مسيحى يحتوى على فكرة أن "النهايات" أفضل دائما للمظلومين والمقهورين والحالمين، والحلقة الأخيرة بالنسبة للمشاهدين هى "يوم الحساب" الذى يأخذ كل شخص جزاءه، لذلك هم لا يقبلون سوى بـ "العدل والرزق الواسع".
الأمر الثانى لرفض النهايات المفتوحة، هو أن المصريين، ومنذ الحلقة الأولى يبحثون عن التشابهات بينهم وبين شخصيات المسلسل، فيرون أن الأحلام التى يعجزون عن تحقيقها فى الواقع يمكن لأبطالهم الخياليين أن يحققوها، لذا لا يقبلون بهزائم هذه الشخصيات ولا عدم اتضاح نهاياتها لأن ذلك سوف يربكهم بشدة.
ثالث الذى يدفع المصريين لعدم قبول النهايات المفتوحة، أنهم رغم إدراكهم الفعلى بأن الحياة، حمالة أوجه، لكنهم لا يحبون ذلك، خاصة الموظفين والعمال، الذين يرون أن رزق الله يرتبط بالعمل والاجتهاد، لا بالاحتمالات غير المتوقعة للحياة، لذا يسعون لرؤيتها فى المسلسلات لأن هذه الاحتمالات تفاجئهم بشكل يومى.
لكن الخطورة الكبرى فى عدم حب المصريين للنهايات المفتوحة، أن ذلك يتفق وطبيعة الكسل، وعدم الرغبة فى التفكير وطرح القضايا ذات "الصبغة الفلسفية" والإصرار على الكلمة الأسهل "وخلص على إيه؟".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة