ما حكم الوعظ عند دفن الميت؟ سؤال ورد للجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، حيث أفادت اللجنة فى ردها بالآتى:
أولاً: يسن عند دفن الميت تذكير الناس بالموت وموعظتهم وحثهم على الاستعداد للدار الأخرة، والعمل لما بعد الموت؛ وقد دلت على ذلك النصوص، فقد ترجم البخارى فى صحيحه: باب موعظة المُحدّث عند القبر وقعود أصحابه حوله وفيه: عن على -رضى الله عنه- كنا في جنازة فى بقيع الغرقد، فأتانا النبى ﷺ، فقعد، وقعدنا حوله، ومعه مِخصرة، فنكس، وجعل ينكتُ بمخصرته، ثمّ قال: (مَا مِنكُمْ من أحد ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كُتبتْ شقية أو سعيدة)، فقال رجل لرسول الله: أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل، فمن كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، وأمًا من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة، قال: (أمّا أهل السعادة فييسّرون لعمل السعادة، وأمّا أهل الشقاوة فييسّرون لعمل الشقاوة، ثم قرأ: (فأما من أعطى واتقى وصدّق بالحسنى)، قال ابن بطال فى شرحه على صحيح البخارى: فيه جواز القعود عند القبور والتحدث عندها بالعلم والمواعظ. انتهى، وبذلك يعلم أن الوعظ عند القبر أمر مشروع قد فعله النبي ﷺ.
ثانياً: كما يسن عند الفراغ من دفن الميت الانتظار والدعاء له، وسؤال الله له بالتثبيت عند السؤال، لحديث عثمان - رضى الله عنه - قال: "كان النبي ﷺ إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، فقال: استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل "، وعن ابن مسعود رضى الله عنه-: «كان النبي - ﷺ - يقف على القبر بعدما يسوي عليه، فيقول: اللهم نزل بك صاحبنا، وخلف الدنيا خلف ظهره اللهم ثبت عند المسألة منطقه، ولا تبتله فى قبره بما لا طاقة له به.
قال الإمام الترمذى: الوقوف على القبر، والسؤال للميت فى وقت الدفن، مدد للميت بعد الصلاة عليه.
ثالثاً: في قوله ﷺ " استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل: "عموم، فيجوز الدعاء فرادى، كما يجوز أن يدعو أحدهم جهراً، ويؤمّن الناس على دعائه؛ على أصل مشروعية الدعاء وهيئته؛ إذ لا مخصص، وقد أخرج ابن أبى شيبة فى مصنفه بسنده عن عبد الله بن أبى بكر، قال: كان أنس بن مالك إذا سوى على الميت قبره قام عليه، فقال: اللهم عبدك رد إليك فارأف به وارحمه، اللهم جاف الأرض عن جنبه، وافتح أبواب السماء لروحه، وتقبله منك بقبول حسن، اللهم إن كان محسنا فضاعف له فى إحسانه، أو قال: فزد فى إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه.
وجهر أنس بن مالك به وهو من كبار الصحابة مع عدم الإنكار عليه فيه دلالة على مشروعية الجهر بالدعاء عند القبر، ولا يقبل عقلا أن يرفع الجميع أصواتهم بالدعاء كل بقول مخصوص عن الآخر، وإلا لزم التشويش، ومثله لا يصدر عن آحاد المسلمين فضلا عن كبار الصحابة والتابعين، فلم يبق إلا أنه كان يدعو والحاضرون يؤمنون خلفه، وعليه فلا ينبغى الإنكار على من جهر بالدعاء والناس خلفه يؤمنون، إذ الأمر فيه متسع، فمن شاء دعا سرا، ومن شاء دعا جهرا، وكله نفع للميت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة