الحمد لله الذى علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على النبى الأكرم سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
أبو ذر الغفارى واسمه جندب بن جنادة، أحد السابقين الأولين، من نجباء أصحاب سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم، رابع أو خامس من دخلوا إلى الإسلام، كان، رضى الله عنه، رأسا فى الصدق والزهد والعلم والعمل، قوالًا للحق، لا تأخذه فى الله لومة لائم، وغفار قبيلته اشتهرت فى الجاهلية بقطع الطريق، وانتهاب الأموال، والاعتداء على التجار المسافرين، لذا نشأ أبوذر فى بداية حياته فى الجاهلية قبل الإسلام على هذه الخصال، وكان ماهرا شجاعا، حتى أنه كان فى بعض الأحيان يهاجم القوافل فى وضح النهار منفردا بلا معين ولا نصير، ويصيب منها ما يشاء، ولأن العرب كانت فى هذا الوقت من الزمان مولعة بالمتناقضات فيكرمون الضيف إكراما شديدا، ومع ذلك يغيرون على القبائل المجاورة لهم ويسلبونهم المال، لذا كنا نرى أبا ذر فى الجاهلية يغير على القوافل نهارا ثم يعود فيمارس العبادة والتنسك، وكأن أبوذر يحاول أن يجارى المجتمع الذى يعيش فيه، إلا أنه فى أشد الضيق بما يفعله هذا المجتمع ويتطلع إلى تغيير لهذا الواقع المرير الذى يعيش فيه تغييرا يأخذ بقلوب الناس وعقولهم إلى واقع أفضل ومجتمع أحسن وأصدق، لذا ما أن وصلته أنباء نبوة سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- حتى طلب من أخيه أن يستوضح الأمر، وكأنه كان يتنظر هذه الرسالة ويرجوها، ويستجيب له أخوه ويتوجه من فوره إلى مكة يبحث فيها عن صاحب الدعوة فيلقاه ويرى منه البر والتقوى ويرجع إلى أخيه قائلاً: «والله لقد رأيت رجلا يأمر بالخير، وينهى عن الشر»، لكنَّ هذه ليست الكلمات التى يبحث عنها إنه يريد أن يتأكد من صدق الدعوة وعلو شأنها، فلا يكتفى بكلمات أخيه وينطلق بنفسة إلى مكة يبحث عن النبى، صلى الله عليه وسلم، ولأنه يعرف قريشًا ومكرهم وبغضهم لهذه الدعوة، لذا لن يسأل أحدًا عن سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- سوف يبحث فى وجوه الناس بنفسه عن شخص لم يره من قبل كأنه سيبحث بقلبه لا بعينيه، ويمضى يومه الأول فى مكة بلا نتيجة ومع انتهائه يلقى علىَّ بن أبى طالب رضى الله عنه، فيقول له علىٌّ: كأن الرجل غريب؟ فيقول: نعم. فيستضيفه علىٌّ فى بيته، وفى اليوم التالى يتكرر نفس المشهد، فيقول علىٌّ: أما آن للرجل أن يعرف منزله بعد؟ فقال: لا. فيقول: انطلق معى، وفى الطريق يبدأ علىُّ فى حوار معه قائلًا: ما أمرك؟ وما أقدمك هذه البلدة؟ قال: قلت له: إن كتمت علىَّ أخبرتك. قال: فإنى أفعل. قال: قلت له: بلغنا أنه قد خرج هاهنا رجل يزعم أنه نبى، فأرسلت أخى ليكلمه فرجع ولم يشفنى من الخبر، فأردت أن ألقاه. فقال له: أما إنك قد رشدت، هذا وجهى إليه فاتبعنى، ادخل حيث أدخل، فإنى إن رأيت أحدًا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأنى أصلح نعلى، وامضِ أنت. فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبى صلى الله عليه وسلم، فقلت له: اعرض علىَّ الإسلام. فعرضه فأسلمت مكانى، ويطلب منه النبى صلى الله عليه وسلم أن يكتم الأمر حتى يأتى الوقت المناسب، إلا أن أبا ذر يشعر أنه وجد ما كان يبحث عنه عمره كله فيقول: والذى بعثك بالحق لأصرخَنَّ بها بين أظهرهم، ويتوجه إلى البيت الحرام وينادى على أهل قريش ويعلن إسلامه فيقومون إليه مغضبين ويضربونه ضربا مبرحا يصل إلى حد القتل، ويدركه العباس قائلا: ويلكم تقتلون رجلا من غفار، ومتجركم وممركم بهم، فيتركونه ويتكرر المشهد فى اليوم التالى، وكأن سعادته بالهدى وشعوره بالمسؤولية تدفعانه دفعا إلى هذا الأمر حتى لو كلفه ذلك حياته، لقد كان أبوذر طوال حياته مغرما بقول الحق حتى لو كلفه ذلك حياته، حتى قال عنه النبى صلى الله عليه وسلم، ذات يوم «ما تقلّ الغبراء ولا تظل الخضراء على ذى لهجة أصدق وأوفى من أبى ذَرّ، شبيه عيسى ابن مريم»، فقام عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال: يا نبى الله، أفنعرف ذلك له؟ قال: «نعم، فاعرفوا له».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة