لعلك تتساءل: ما الذى جعل المسلمين دائمًا يقفون فى موقف الدفاع عن دينهم مرة بالعقل، ومرة بالنقل، ومرة بالنفى، ومرة بالإنكار، ومرة بالصمت، ومرة بالهجوم، ومرة بالتبرير؟ ولعلك تتساءل: لمصلحة من يظل المسلمون لا يشغلهم شيئًا فى الحياة سوى الحديث عن الدين وموارده الأصلية وآراء العلماء المختلفة فيه، مشتتين بين المذاهب، ومتفرقين بين الآراء، مهلهلين بين النزاعات، متخلفين عن أسلافهم ومعاصريهم، مدحورين لا متقدمين، متقهقرين لا واثبين؟ ولعلك تتساءل: لمصلحة من أن تم اختصار الإسلام فى عدة أمور شكلية تستهلك طاقاتنا وتبدد أحلامنا، وتيبس عقولنا، وتجعلنا أسرى الكسل والخمول والوقوف والتردد؟ ولعلك تتساءل لماذا اتبعنا ثقافة الاحتياط ولم نتبع ثقافة الأصلح، رغم أن الثانية أولى بالاتباع، وفقًا لما جاء بصريح النص القرآنى والسنة النبوية المشرفة؟ ولعلك تتساءل أيضًا لمصلحة من أن تبقى صورة الإسلام فى الأذهان، وكأنها من الصور الغابرة التى عبرتها الإنسانية، رغم أن الإسلام فى حد ذاته كان من أروع أمثلة عبور الإنسانية للظلام؟ ولعلك تتساءل أيضًا لماذا يصر البعض على أن يصور الإسلام باعتباره دين عنف لم ينتشر إلا بالسيف، مدعين أن الآية الكريمة «لا إكراه فى الدين» تم نسخها ولا يصح العمل بها؟ ولعلك تتساءل إلى متى سنظل هكذا يشغلنا الكلام عن الإسلام دون تطبيق تعاليم الإسلام، وتشغلنا الفروع والجزئيات دون الاهتمام بالأصول والكليات، ويشغلنا الحديث عن الشريعة دون البدء فى السير نحو مقاصد الشريعة؟ ولعلك تتساءل: لمصلحة من كل هذا؟
كل تلك الأسئلة وأكثر هى ما شغلت الشيخ المجدد الكبير عبد المتعال الصعيدى، الذى نكاد نضيعه مثلما ضيعنا الإمام الليث ابن سعد من قبله، والإمام العز بن عبدالسلام، والإمام حسن العطار، والإمام محمد عبده، والإمام مصطفى عبدالرازق، والإمام محمود شلتوت، وغيرهم كثير من أئمة الفكر الإسلامى الكبير، وأعلامه المجددون، لنعود إلى مرحلة الطفولة الفكرية بعد أن قطعنا أشواطًا شاسعة فى التقدم بالإسلام وفى الإسلام وللإسلام ومن الإسلام؟ فللأسف قد أنتج الإمام عشرات الكتب والأبحاث المهمة، والتى تنهض بالمسلمين من قاع الدنيا إلى قمتها، وتبرئ الدين الإسلامى الحنيف مما يلصقه به المغرضون، لكن ما يطبع الآن من عشرات الكتب التى تتجاوز الستين كتابًا هذه لا يتعدى عشر إنتاجه، فقد أنتج الشيخ ما يقرب من خمسين كتابًا مطبوعًا، وعشرين كتابًا مخطوطًا أهداها كلها للأزهر الشريف، ولا نكاد نسمع عن تلك الكتب شيئًا، ولتعرف كيف نبدأ فى تضييع هذا الإمام المجدد الكبير، انظر فقط إلى اللغط الواقع حول تاريخ وفاته، فبعض الباحثين يرجعونه إلى العام 1966، بينما يرجح البعض أنه توفى فى عام 1971 أى أن الفرق بين التاريخين ليس سنة ولا اثنتين، وإنما خمس سنوات كاملة، ولو كان هذا اللغط واقع حول شيخ فى عصر من العصور القديمة لهان الأمر، لكن من المؤسف أن يحدث هذا التخبط حول تاريخ وفاة «الصعيدى» فى عصر العلم والتدوين والبحث الدؤوب، ما يدل على أن هناك من بيت النية لطمس أفكار هذا الرجل، وقتل أبحاثه المهمة الجادة التى دافع فيها عن ديننا بكل قوة، أمام طرفى التطرف سواء كان هذا التطرف علمانيًا غربيًا أو وهابيًا إسلاميًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة