نواصل، اليوم الجمعة، سلسلة "آية و5 تفسيرات" التى بدأناها منذ أول رمضان، ونتوقف اليوم عند آية من الجزء السادس عشر، هى الآية رقم 46 فى سورة طه، والتى يقول فيها الله سبحانه وتعالى " قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى"
تفسير بن كثير
يقول تعالى إخباراً عن موسى وهارون عليهما السلام: أنهما قالا مستجيرين باللّه تعالى شاكيين إليه { إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى} يعنيان أن يبدر إليهما بعقوبة، أو يعتدى عليهما فيعاقبهما وهما لا يستحقان منه ذلك، قال عبد الرحمن بن زيد {أن يفرط} يعجل، وقال مجاهد: يسلط علينا، وقال ابن عباس {أو أن يطغى} يعتدى {قال لا تخافا إننى معكما أسمع وأرى} أى لا تخافا منه فإننى معكما أسمع كلامكما وكلامه، وأرى مكانكما ومكانه، لا يخفى على من أمركم شىء، واعلما أن ناصيته بيدى فلا يتكلم ولا يتنفس ولا يبطش إلا بإذني، وأنا معكم بحفظى ونصري، وتأييدى.
تفسير الجلالين
{ قال لا تخافا إننى معكما } بعونى { أسمع } ما يقول { وأرى } ما يفعل .
تفسير الطبرى
الْقَوْل فى تَأْويل قَوْله تَعَالَى: {قَالَ لَا تَخَافَا إنَّنى مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى } يَقُول اللَّه تَعَالَى ذكْره: قَالَ اللَّه لمُوسَى وَهَارُون: {لَا تَخَافَا} فرْعَوْن {إنَّنى مَعَكُمَا} أُعينكُمَا عَلَيْه، وَأُبْصركُمَا {أَسْمَع} مَا يَجْرى بَيْنكُمَا وَبَيْنه، فَأُفْهمَكُمَا مَا تُحَاورَانه به {وَأَرَى} مَا تَفْعَلَان وَيَفْعَل، لَا يَخْفَى عَلَى منْ ذَلكَ شَيْء {فَأْتيَاهُ فَقُولَا} لَهُ {إنَّا رَسُولَا رَبّك}، وَبنَحْو الَّذى قُلْنَا فى ذَلكَ، قَالَ أَهْل التَّأْويل
تفسير القرطبى
قوله تعالى { قال لا تخافا إننى معكما أسمع وأرى} فيه مسألتان: الأولى: قال العلماء: لما لحقهما ما يلحق البشر من الخوف على أنفسهما عرفهما الله سبحانه أن فرعون لا يصل إليهما ولا قومه. وهذه الآية ترد على من قال: إنه لا يخاف؛ والخوف من الأعداء سنة الله فى أنبيائه وأوليائه مع معرفتهم به وثقتهم. ولقد أحسن البصرى رحمه الله حين قال للمخبر عن عامر بن عبدالله - أنه نزل مع أصحابه فى طريق الشام على ماء، فحال الأسد بينهم وبين الماء، فجاء عامر إلى الماء فأخذ منه حاجته، فقيل له: فقد خاطرت بنفسك. فقال: لأن تختلف الأسنة فى جوفى أحب إلى من أن يعلم الله أنى أخاف شيئا سواه - قد خاف من كان خيرا من عامر؛ موسى صلى الله عليه وسلم حين قال له { إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنى لك من الناصحين فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين} [القصص: 20 - 21] وقال { فأصبح فى المدينة خائفا يترقب} [القصص: 18] وقال حين ألقى السحرة حبالهم وعصيهم { فأوجس فى نفسه خيفة موسى. قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى} [طه: 67 - 68]. قلت ومنه حفر النبى صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة تحصينا للمسلمين وأموالهم، مع كونه من التوكل والثقة بربه بمحل لم يبلغه أحدا؛ ثم كان من أصحابه ما لا يجهله أحد من تحولهم عن منازلهم، مرة إلى الحبشة، ومرة إلى المدينة؛ تخوفا على أنفسهم من مشركى مكة؛ وهربا بدينهم أن يفتنوهم عنه بتعذيبهم. وقد قالت أسماء بنت عميس لعمر لما قال لها سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم كذبت يا عمر، كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا فى دار - أو أرض - البعداء البغضاء فى الحبشة؛ وذلك فى الله ورسوله؛ وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن كنا نؤذى ونخاف. الحديث بطوله خرجه مسلم. قال العلماء: فالمخبر عن نفسه بخلاف ما طبع الله نفوس بنى آدم عليه كاذب؛ وقد طبعهم على الهرب مما يضرها ويؤلمها أو يتلفها. قالوا: ولا ضار أضر من سبع عاد فى فلاة من الأرض على من لا آلة معه يدفعه بها عن نفسه، من سيف أو رمح أو نبل أو قوس وما أشبه ذلك. الثانية :قوله تعالى { إننى معكما} يريد بالنصر والمعونة والقدرة على فرعون. وهذا كما تقول: الأمير مع فلان إذا أردت أنه يحميه. وقول { أسمع وأرى} عبارة عن الإدراك الذى لا تخفى معه خافية، تبارك الله رب العالمين.
تفسير الشعراوى
أي: لن أسلمكما ولن أترككما، وأنا معكما أسمع وأرى؛ لأن الحركة إما قول يُسمع، أو فعل يُرى، فاطمئنّا، لأننا سنحفظكما، وقد قال تعالى:
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة