نواصل، اليوم السبت، سلسلة "آية و5 تفسيرات" التى بدأناها منذ أول رمضان، ونتوقف اليوم عند آية من الجزء العاشر، هى الآية رقم 43 فى سورة الأنفال، والتى يقول فيها الله سبحانه وتعالى: "إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِى الأَمْرِ وَلَـكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ أنه عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ".
تفسير القرطبى
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن الله، يا محمد، سميع لما يقول أصحابك، عليم بما يضمرونه، إذ يريك الله عدوك وعدوهم "فى منامك قليلا "، يقول: يريكهم فى نومك قليلا فتخبرهم بذلك، حتى قويت قلوبهم، واجترأوا على حرب عدوهم، ولو أراك ربك عدوك وعدوهم كثيرًا، لفشل أصحابك، فجبنوا وخاموا، ولم يقدروا على حرب القوم ولتنازعوا فى ذلك، لكن الله سلمهم من ذلك بما أراك فى منامك من الرؤيا، أنه عليم بما تُجنُّه الصدور، لا يخفى عليه شىء مما تضمره القلوب.
وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: "إذ يريكهم الله فى منامك قليلا "، أي: فى عينك التى تنام بها، فصيّر "المنام "، هو العين، كأنه أراد: إذ يريكهم الله فى عينك قليلا.
واختلف أهل التأويل فى تأويل قوله: " ولكن الله سلم ".، فقال بعضهم: معناه: ولكن الله سلم للمؤمنين أمرهم، حتى أظهرهم على عدوهم.
ذكر من قال ذلك: حدثنى محمد بن سعد قال، حدثنى أبى قال، حدثنى عمى قال، حدثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ولكن الله سلم"، يقول: سلم الله لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولكن الله سلم أمره فيهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: " ولكن الله سلم "، قال: سلم أمره فيهم.
تفسير ابن كثير
قال مجاهد: أراه الله إياهم فى منامه قليلا فأخبر النبى، صلى الله عليه وسلم، أصحابه بذلك، فكان تثبيتا لهم.
وكذا قال ابن إسحاق وغير واحد، وحكى ابن جرير عن بعضهم أنه رآهم بعينه التى ينام بها.
وقد روى ابن أبى حاتم: حدثنا أبى، حدثنا يوسف بن موسى المدبر، حدثنا أبو قتيبة، عن سهل السراج، عن الحسن فى قوله: (إذ يريكهم الله فى منامك قليلا ) قال: بعينك .
وهذا القول غريب، وقد صرح بالمنام ها هنا، فلا حاجة إلى التأويل الذى لا دليل عليه.
وقوله: (ولو أراكهم كثيرا لفشلتم) أى: لجبنتم عنهم واختلفتم فيما بينكم، (ولكن الله سلم) أى: من ذلك: بأن أراكهم قليلا (إنه عليم بذات الصدور) أى: بما تجنه الضمائر، وتنطوى عليه الأحشاء، فيعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور .
تفسير البغوى
قوله تعالى: ( ذ يريكهم الله) يريك يا محمد المشركين، (فى منامك) أى: نومك، وقال الحسن: فى منامك أى فى عينك، لأن العين موضع النوم، (قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم) لجبنتم (ولتنازعتم) أى: اختلفتم (فى الأمر) أى: فى الإحجام والإقدام، (ولكن الله سلم) أى سلمكم من المخالفة والفشل، (إنه عليم بذات الصدور) قال ابن عباس: علم ما فى صدوركم من الحب لله - عز وجل - :
تفسير السعدى
وكان اللّه قد أرى رسوله المشركين فى الرؤيا عددا قليلا، فبشر بذلك أصحابه، فاطمأنت قلوبهم وتثبتت أفئدتهم. ولو أراكهم الله إياهم كَثِيرًا فأخبرت بذلك أصحابك {لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِى الْأَمْرِ} فمنكم من يرى الإقدام على قتالهم، ومنكم من لا يرى ذلك فوقع من الاختلاف والتنازع ما يوجب الفشل. {وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ} فلطف بكم {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي: بما فيها من ثبات وجزع، وصدق وكذب،فعلم اللّه من قلوبكم ما صار سببا للطفه وإحسانه بكم وصدق رؤيا رسوله.
تفسير الوسيط لـ طنطاوى
يبين- سبحانه- بعض وجوه نعمه على المؤمنين، وتدبيره الخفى لنصرهم وفوزهم فيقول: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِى مَنامِكَ قَلِيلًا، وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِى الْأَمْرِ، وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ أنه عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.
أى: اذكر يا محمد فضل الله عليك وعلى أصحابك، حيث أراك فى منامك الكافرين قليلا عددهم، ضئيلا وزنهم فأخبرت بذلك أتباعك فازدادوا ثباتا واطمئنانا وجرأة على عدوهم وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيرًا أى: ولو أراك الأعداء عددا كثيرا لَفَشِلْتُمْ أى: لتهيبتم الإقدام عليهم، لكثرة عددهم، من الفشل وهو ضعف مع جبن وَلَتَنازَعْتُمْ فِى الْأَمْرِ أى:
فى أمر الإقدام عليهم والإحجام عنهم. فمنكم من يرى هذا ومنكم من يرى ذلك.
وقوله وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ بيان لمحل النعمة. أى: ولكن الله- تعالى- بفضله وإحسانه أنعم عليكم بالسلامة من الفشل والتنازع وتفرق الآراء فى شأن القتال: حيث ربط على قلوبكم، ورزقكم الجرأة على أعدائكم وعدم المبالاة بهم بسبب رؤيا نبيكم.
وقوله: أنه عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ تذييل يدل على شمول علمه- سبحانه-.
أى: إنه- سبحانه- عليم بكل ما يحصل فى القلوب وما يخطر بها من شجاعة وجبن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة