نواصل، اليوم، سلسلة "آية و5 تفسيرات" التى بدأناها منذ أول رمضان، ونتوقف اليوم عند آية من الجزء التاسع، هى الآية رقم 96 فى سورة الأعراف، والتى يقول فيها الله سبحانه وتعالى "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {96}
تفسير ابن كثير
يقول تعالى مخبرا عن قلة إيمان أهل القرى الذين أرسل فيهم الرسل، كقوله تعالى ( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ) [ يونس: 98 ] أى: ما آمنت قرية بتمامها إلا قوم يونس، فإنهم آمنوا، وذلك بعد ما عاينوا العذاب، كما قال تعالى: ( وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين ) [ الصافات: 147، 148 ] وقال تعالى: ( وما أرسلنا فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون ) [ سبأ: 34 ]
وقوله تعالى: ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا ) أى: آمنت قلوبهم بما جاءتهم به الرسل، وصدقت به واتبعته، واتقوا بفعل الطاعات وترك المحرمات، ( لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) أى: قطر السماء ونبات الأرض. قال تعالى: ( ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) أى: ولكن كذبوا رسلهم، فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم .
تفسير البغوى
(ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) يعنى: المطر من السماء والنبات من الأرض، وأصل البركة: المواظبة على الشىء، أى: تابعنا عليهم المطر والنبات ورفعنا عنهم القحط والجدب، (ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) من الأعمال الخبيثة.تفسير القرطبى
قوله تعالى "ولو أن أهل القرى" يقال للمدينة قرية لاجتماع الناس فيها، من قريت الماء إذا جمعته، وقد مضى فى " البقرة " مستوفى.
آمنوا أى صدقوا واتقوا أى الشرك لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض يعنى المطر والنبات، وهذا فى أقوام على الخصوص جرى ذكرهم، إذ قد يمتحن المؤمنون بضيق العيش ويكون تكفيرا لذنوبهم، ألا ترى أنه أخبر عن نوح إذ قال لقومه استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا وعن هود ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا فوعدهم المطر والخصب على التخصيص.
يدل عليه ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون أى كذبوا الرسل. والمؤمنون صدقوا ولم يكذبوا .
إعراب القرآن لقاسم دعاس
(وَلَوْ) حرف شرط غير جازم، الواو استئنافية.
(أَنَّ أَهْلَ) أن واسمها (الْقُرى) مضاف إليه وجملة (آمَنُوا) خبرها. والمصدر المؤول من أن واسمها وخبرها فى محل رفع فاعل لفعل محذوف. والتقدير ولو ثبت إيمان أهل القرى....
(وَاتَّقَوْا) معطوفة على آمنوا....
(لَفَتَحْنا) اللام واقعة فى جواب الشرط. فتحنا فعل ماض تعلق به الجار والمجرور بعده.
(و نا) فاعله.
(بَرَكاتٍ) مفعوله منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم.
(مِنَ السَّماءِ) متعلقان بمحذوف صفة لبركات.. والجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم.
(وَلكِنْ) حرف استدراك، والواو عاطفة.
(كَذَّبُوا) فعل ماض والواو فاعله والجملة معطوفة.
(فَأَخَذْناهُمْ) فعل ماض وفاعله ومفعوله.
(بِما) ما اسم موصول مبنى على السكون فى محل جر بالباء والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما. أو ما مصدرية..
(كانُوا) فعل ماض ناقص، والواو اسمها وجملة (يَكْسِبُونَ) خبر وجملة كانوا صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
تفسير طنطاوى
ثم بين- سبحانه- أن سنته قد جرت بفتح أبواب خيراته للمحسنين، وبإنزال نقمه على المكذبين الضالين فقال: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ.
البركات: جمع بركة: وهى ثبوت الخير الإلهى فى الشيء، وسمى بذلك لثبوت الخير فيه كما يثبت الماء فى البركة.
قال الراغب: ولما كان الخير الإلهى يصدر من حيث لا يحس، وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر، قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة هو مبارك وفيه بركة» .
والمعنى: ولو أن أهل تلك القرى المهلكة آمنوا بما جاء به الرسل. واتقوا ما حرمه الله عليهم، لآتيناهم بالخير من كل وجه. ولوسعنا عليه الرزق سعة عظيمة، ولعاشوا حياتهم عيشة رغدة لا يشوبها كدر، ولا يخالطها خوف.
وفى قوله: لَفَتَحْنا استعارة تبعيه، لأنه شبه تيسير البركات وتوسعتها عليهم بفتح الأبواب فى سهولة التناول.
وقيل: المراد بالبركات السماوية المطر، وبالبركات الأرضية النبات والثمار وجميع ما فيها من خيرات.
وقوله: وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ بيان لموقفهم الجحودى.
أى: ولكنهم لم يؤمنوا ولم يتقوا بل كذبوا الرسل الذين جاءوا لهدايتهم فكانت نتيجة تكذيبهم وتماديهم فى الضلال أن عاقبناهم بالعقوبة التى تناسب جرمهم واكتسابهم للمعاصي، فتلك هى سنتنا التى لا تتخلف، نفتح للمؤمنين المتقين أبواب الخيرات، وننتقم من المكذبين الضالين بفنون العقوبات.
وقد يقال: إننا ننظر فنرى كثيرا من الكافرين والعصاة مفتوحا عليهم فى الرزق والقوة والنفوذ وألوان الخير، وترى كثيرا من المؤمنين مضيقا عليهم فى الرزق وفى غيره من وجوه النعم، فأين هذا من سنة الله التى حكتها الآية الكريمة؟
والجواب على ذلك أن الكافرين والعصاة قد يبسط لهم فى الأرزاق وفى ألوان الخيرات بسطا كبيرا، ولكن هذا على سبيل الاستدراج كما فى قوله- تعالى-: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ.
ومما لا شك فيه أن الابتلاء بالنعمة الذى مر ذكره فى الآية السابقة ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا لا يقل خطرا عن الابتلاء بالشدة. فقد ابتلى الله كثيرا من الناس بألوان النعم فأشروا وبطروا ولم يشكروه عليها فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
والخوف، لأن أصحابها شكروا الله عليها.
واستعملوها فيما خلقت له، فكانت النتيجة أن زادهم الله غنى على غناهم، وأن منحهم الأمان والاطمئنان وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة