لكل عصر أدواته فى كل شىء، ولكل مجتمع أمراضه وأعراضها المزمنة التى تتغير وتتبدل وفقا لأدوات العصر، فكما عاش المصريون فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى سنوات كان عنوان التدين فيها أن يرتدى الرجل جلبابا قصيرا، أو أن يطلق لحيته، ويمسك بيده سواك، وأن ترتدى المرأة نقابا أو إسدالا أو خمارا، أو أن يقتنى أحدهم شرائط كاسيت لمشايخ السلفيين أو الدعاة الشباب، يعيش المصريون الأن بأنماط جديدة لنفس الغرض القديم –إظهار التدين- من خلال مواقع التواصل الاجتماعى التى طورت نفسها واكتست فى مصر بأهداف ورغبات –وأيضا أمراض- المجتمع المصرى.
قد يعتبر كثيرون حب التواصل مع الله وإظهار التدين حق لكل إنسان، وقد لا يعبر ذلك فى أحيان متعددة عن أزمة، لكن ذلك أيضا لايغير من واقع الأمر شيئا، حيث يبقى التدين موضوعا وإظهاره موضوعا أخر، وفى الإظهار يأتى الخلط بين ما هو ضرورى ويحقق غاية التعبد، وما هو مفتعل ومغالى فيه، ويتجلى ذلك فى عصرنا الحالى على صفحات التواصل الاجتماعى فى صور عدة.
ما نسعى لتوضحيه لا يحتاج أكثر من زيارة لأحد المجموعات الضخمة على موقع فيسبوك تسمى "SUPER MUSLIMS" تلك المجموعة تضم أكثر من 3.5 مليون مشترك، وفى التعريف الذى يقوله مؤسسو المجموعة عن أنفسهم كتبوا "السلام عليكم مسلمون خارقون.. هذه هي المجموعة الرسمية والوحيدة لنا وأي مجموعة أخرى بذات الاسم هي فقط سرقة لنا ولمجهودنا دون أى وجه حق والله رقيب حسيب"، بعد أن تقرأ التعريف قم بجولة سريعة بين المنشورات لتدرك مفهمومهم عن المسلم الخارق، لن تجد أكثر من دعوات لتحقيق أرقام قياسية فى تعليقات الاستغفار والحمد.
ويستكمل تلك الصورة، ما أصبح يشبه بالموضة، نشر الأدعية، الدعوة لصلاة الفجر، طلب الدعاء، الصور السيلفى بالمساجد وخاصة مساجد أضرحة أولياء الله الصالحين، وهى وإن كانت كلها أمور ليس من الطبيعى أن تكون سلبية، لكن انتشارها والحرص عليها فى مقابل معاملات وأخلاقيات لاتعكس نفس الحالة، ويشهد بها على بعضهم أهل "الفيسبوك" أنفسهم، ويؤكده سخرية كثيرين من نفس الحالة على صحفات التواصل الاجتماعى خاصة فى مواسم دينية مثل رمضان وأوقات الحج وغيرها، إنما يذكرنا بما كان عليه المجتمع فى الماضى من تدين ظاهرى انتهى بانتهاء "موضته".
الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع، وصف هذه الظاهرة بـ"مرض استعراض الدين"، وقال لـ"اليوم السابع"، إن التدين هى علاقة بين العبد وربه ولكن الأمر تحول إلى نوع من استعراض التدين عبر السوشيال ميديا بداية من إعلان فتاة مثلا أنها سترتدى الحجاب على الفيس بوك، وهو فى النهاية أمر يخصها وحدها، وهو أمر بعيد تماما عن التدين الحقيقى.
ويرى صادق، أن هناك نوع من الإزدواجية والتناقض بين التصرفات وما يكتبه مستعرضوا الدين على صفحات التواصل الاجتماعى، فالتبذير سمة الأسر المصرية فى رمضان، وهذا الأمر ليس من الدين.
واختلفت مظاهر الاستعراض الدينى كثيرا عن السنوات السابقة مع عصر الإنترنت، ويقول أستاذ علم الاجتماع أنه فى السابق كان الشخص الذى يطيل لحيته ويحمل السبحة هو مظهر التدين، وكانت هذه المظاهر الخادعة سمة أساسية لشركات توظيف الأموال التى جذبت آلاف الناس ممن تعرضوا للنصب من أشخاص استخدموا الدين كستار لعملياتهم.
وتساءل صادق: "كيف يكون شعب متدين بطبعه وتسرق أحذيته من أمام المساجد؟ وكيف لا يحترم هذا المجتمع ثقافة العمل وهو متدين بطبعه؟".
واختتم صادق: "السوشيال ميديا أصحبت الآن عدة النصب الجديدة باسم الدين".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة