بوتيرة متسارعة، وانتقاد متزايد، يواصل شباب الصين تمرده على العادات والتقاليد التى توارثوها عن أجدادهم وآبائهم، ومن بين تلك العادات نظام العمل القاسى المتوارث فى القطاعين العام والخاص، والذى عبروا عنه فى هاشتاج "996" اختصاراً لـ 12 ساعة عمل، من التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساءً، لمدة 6 أيام أسبوعياً.
وبعدما باتت بكين أكثر انفتاحاً على الغرب بفضل وسائل التواصل الاجتماعى ومنصات السوشيال ميديا رغم ما تفرضه حكومتها من قيود ورقابة على تلك الشبكات، تزايدت حالة التمرد فى أوساط الشباب على هذا النظام القاسى الذى يضم ساعات عمل إضافية غير متعارف عليها فى مختلف قوانين العمل الدولية، خاصة أن تلك الساعات الإضافية بلا مقابل مادى.
وفى تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "BBC" ، قال الشاب الصينى لى زيبينج، الذى يعيش فى مدينة شنغهاى، إنه لا يمكنه الاستمتاع بأى من أنواع الحياة فى المدينة منذ أن انتقل للعيش فيها، حيث أنه يقضى معظم وقته على مكتبه فهو يحضر إلى الشركة فى التاسعة صباحا، بعد رحلة تستغرق 90 دقيقة بالمواصلات إلى إحدى الضواحى على مشارف المدينة، حيث استأجرت شركة التجارة الإلكترونية التى يعمل بها مبنى بثمن زهيد، ثم يغادر العمل عادة بعد الثامنة مساء بوقت طويل.
وأضاف زيبينج "إن ساعات العمل الطويلة أحيانا تكون بلا داع، إذ تفرضها ثقافة العمل فى الصين بشكل عام"، وهذا يعنى أن الشركات تتوقع من العاملين الشباب الالتزام بجدول عمل شاق ازداد انتشارا مؤخرا، إلى درجة أنه بات يعرف باسم "996"، أى العمل من التاسعة صباحا إلى التاسعة مساء، 6 أيام فى الأسبوع.
ويتقاضى الشاب الصينى راتبا شهريا لا يتعدى 3.500 يوان، أو ما يعادل نحو 560 دولارا، وهذا المبلغ أقل من نصف الإيجار الشهرى لشقة من غرفة واحدة فى إحدى المناطق البعيدة عن قلب المدينة، ولهذا يستأجر شقة مع ثلاثة أشخاص آخرين.
وأصبح هذا الشاب الصينى وأصدقائه جزءا من ظاهرة جديدة لفتت أنظار الخبراء مؤخرا، وهى تمرد الموظفين الشباب على أرباب العمل الذين يتوقعون منهم أن يعملوا طوال اليوم، بدون راحة وبدون أموال أضافية.
ويعرف عن أبناء جيل الألفية فى الصين أنهم مدللون، لكونهم الأطفال الوحيدين فى الأسر فى الصين، إذ لم تقرر الصين إلغاء سياسة الطفل الواحد إلا فى عام 2015.
وفى السياق نفسه قال لى جوبنج، الخبير فى مجال حقوق العمال، وواحد من الكثيرين الذين لاحظوا أن بعض أبناء جيل الألفية يعترضون على نظام "996"، "أرى، بحكم خبرتى، أن الشباب، خاصة المولودين فى التسعينيات وما بعدها، لا يتقبلون العمل لساعات إضافية، وهذا لأنهم أكثر أنانية واعتدادا بالذات من الأجيال التى تسبقهم".
وأضاف الخبير، أنه قد يكون ثراء والديهم وأجدادهم نسبيا واحدا من الأسباب التى أدت إلى هذه الظاهرة، فقد أفضى التطور الاقتصادى السريع الذى شهدته الصين إلى زيادة حجم الطبقة الوسطى، إذ تشير الإحصاءات إلى أن نسبة سكان المدن الذين يتقاضون رواتب تتراوح بين تسعة آلاف دولار و34 ألف دولار سنويا، زادت من 4% فقط فى عام 2000 إلى نحو 70% فى عام 2012.
ويحصل أبناء جيل الألفية على دعم عائلاتهم ومساندتهم، لكونهم الأبناء الوحيدين، وهذا يشمل تأمين المال الكافى لهم تحسبا للأزمات والمشاكل التى قد تواجههم فى حياتهم المهنية.
وقال الخبير "إن نظام العمل المعروف باسم '996'، من الناحية النظرية، مخالف للقانون". لكن يحق للشركات التقدم بطلب للحصول على إذن خاص لتطبيق هذا النظام، إذا كانت طبيعة العمل تقتضى دوام العمل الطويل.
وعادة ما يعمل الطيارون وقائدو القطارات، على سبيل المثال، بنظام نوبات قد تمتد لأكثر من 8 ساعات، وهو عدد ساعات العمل اليومية المنصوص عليها فى القانون الصينى.
وأضاف الخبير أنه إذا تقدمت هذه الشركات بطلب لزيادة عدد ساعات العمل، ترفض هيئات إدارة العمل طلباتها فى معظم الحالات وفى المنازعات القضائية، يدعم رفض الهيئة لطلب الشركة موقف الموظف.
وأشار إلى أن الهيئات المعنية بشؤون العمال لا تنظر فى عدد الساعات فحسب، إنما تنظر أيضا فى الرواتب والتعويضات، وبعد معاينة مجموعة من الشركات الناشئة، اتضح أن أكثر من 40 % منها ليس لديها أنظمة واضحة لتعويض الموظفين عن ساعات العمل الإضافية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة