الإنسان موقف.. هذه هى كلمة السر التى شكلت وكونت شخصية المناضل والمعلم والأستاذ والنبيل الفارس، خالد محيى الدين.. وهذا يعنى فى المقام الأول أن الإنسان ليس باسمه ولا برسمه ولا بعائلته ولا بغناه ولا بالمناصب والمواقع التى يتبوأها.. ولكن بموقفه، هو موقف يتقوقع خلف الذات فلا يرى غير ذاته، ولا يسعى لغير مصالحه، ولو على حساب الآخرين؟.. هل هو موقف يسيطر على من يسعى إلى الموقع والمنصب للتواجد الشخصى، ولهدف تحقيق الذات والمصلحة؟ هل هو موقف ينحاز إلى طبقته وجماعته وطائفته؟ أم هو موقف يحدده الفكر الناضج والموقف النبيل ويسيره الحق ولو على حساب الذات؟ أم هو موقف من أجل المجموع لأن يد الله مع الجماعة، لا من أجل حزب أو مجموعة؟ أم هو موقف يحدده المبدأ أو يغذيه الفكر وترشده الرؤية الواضحة بلا غيوم، ويسعى لتحقيق النتائج لصالح الجميع؟ هل هو موقف يتاجر بالدين وينافق باسم الوطنية، وينتهز لتحقيق الأهداف الشخصية الضيقة؟
خالد محيى الدين، رجل المواقف الواضح وضوح الشمس، المؤمن بدينه، والمقتنع بتطبيق قيم الدين وسماحته بتحقيق العدل الاجتماعى بين البشر، فكلهم أبناء الله، اقتنع بالاشتراكية والعدالة الاجتماعية من منطلق عدالة الدين، تأثرًا بنشأته فى مجال صوفى «الطريقة النقشبندية» هو ابن الطبقة الإقطاعية الغنية، فى الوقت الذى انحاز فيه طوال مسيرته إلى فقراء هذا الشعب وكادحيه، ولما سألته عن هذا قال لى إن الانحياز للطبقة المنتمى إليها لا يمثل موقفًا، فهذا شىء طبيعى، ولكن الانحياز لطبقة أقل تتناقض مصالحها مع طبقتى فهذا موقف مبدئى، كما أن المتعالى على طبقته الفقيرة منحازًا للأعلى فهذا موقف انتهازى.
تأثر بالفكر الماركسى من منطلق وعلى قاعدة العدالة الاجتماعية، فى الوقت الذى كان متمسكًا مؤمنًا بدينه بلا طنطنة ولا ادعاء حتى فى أحلك المواقف التى نعت فيها السادات خالد بالصاغ الأحمر، أى الشيوعى، ووصف حزب التجمع بالحزب الشيوعى، بهدف فض الجماهير من حوله ومن حول الحزب، حيث كان هذا موقف من مواقف السادات الانتهازية التى كان دائمًا ما يتاجر بها وبالدين، بل ظل خالد حتى النهاية أحد مريدى الطريقة الصوفية للشيخ زين الدين السماك بالإسكندرية، وقد شاهدت ذلك فى زياراتى مع المعلم للإسكندرية.. هنا الإنسان صاحب الموقف لابد أن يكون موضوعيًا فى اتفاقه وفى معارضته، خالد أحد أهم أعضاء مجلس قيادة الثورة، وهو كان ضابطًا مثقفًا منذ البداية حتى أنه هو وأحمد فؤاد مَن صاغا المبادئ الستة للثورة.
فدوره معروف ومقرر، وبالرغم من سن الشباب والفتوة التى تسعى للمواقف وللمناصب، فلم يُغرِ خالد لا منصب، ولم يسعَ إلى موقف غير التمسك بالمبادئ، ولذلك كان خالد وبحق هو مؤسس المعارضة الوطنية الموضوعية على مدى التاريخ السياسى الحزبى منذ بداية الحياة الحزبية، ولا أكون مبالغًا فى هذا، حيث إن التاريخ الحزبى يقول إن الحياة الحزبية لم تكن تعرف المعارضة، بالمعنى العلمى والموضوعى والوطنى قدر ما كانت ومازالت معارضة لأهداف شخصية، ولتحقيق مصالح ذاتية، بعيدًا عن الموقف والمبدأ ومصلحة الجماهير والوطن، فكانت المعارضة ومازالت تعمل بقاعدة «فيها لاخفيها»، وجدنا خالد عندما اختلف مع الثورة ومع عبدالناصر ولم يَبع ولم يخُن ولم يدخل فى دائرة تصفية الحسابات الشخصية، حيث إن السن والموقف كانا يشجعان على ذلك، لولا أن «خالد» رجل مواقف ومبادئ، اختلف مع جمال وكان مؤيدًا ما يتوافق مع مبادئه ومن أجل مصر، اختلف مع السادات ومارس السادات أدوارا مع «خالد» لا تتوافق مع صداقة ولا زمالة ولا موضوعية، بل كانت غيرة من رئيس بلد لرئيس حزب! ومع ذلك كانت معارضة «خالد» موضوعية.
الرأى فى مواجهة الرأى.. عارض «خالد» «مبارك»، وكانت عينه على الوطن ومصلحة الجماهير، معلنًا رأيه بكل موضوعية، فلم يبع ولم يمول ولم يقف فى صف من لا تعنيه مصلحة الوطن، كان عضوًا برلمانيًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، عارض وواجه ولم يصمت فى مواجهة أى موقف يخرب المجتمع، هو أول من وقف وعارض زيارة القدس منذ اللحظة الأولى، وعارض كامب ديفيد، وهذه هى الإشكالية الحقيقية بين السادات وبين التجمع، عارضنا كامب واتفاقية السلام بموضوعية ودفعنا الثمن واعتقلنا فى سبتمبر 1981، لم يتقدم خالد باستجواب بالبرلمان، حيث كان يقتنع أن الاستجواب هو اتهام للوزير لابد أن ينتهى بسحب الثقة، فإذا لم يحدث ذلك، وهذا طبيعى نتيجة للممارسة البرلمانية الشكلية والصورية، فيقول حين ذلك يكون الوزير والحكومة قد كسبا بدلًا من سحب الثقة، فلماذا أمارس دورًا يصب فى صالح الحكومة وأنا معارض، هذه نماذج قليلة من كثير من مواقف ومبادئ وسلوكيات وقناعات خالد محيى الدين، هذه الشخصية وتلك المواقف والمبادئ هى التى أراد الله لنا أن نتتلمذ عليها، ونتعلم من المعلم، ونستفيد من الأستاذ ومن تاريخه الناصع، ومن تجربته الفريدة الاستثنائية، ومن حبه للجماهير وللفقراء، ومن ذوبانه فى حب مصر، حيث يقول إننا مهما قدمنا لمصر فهى تحتاج أكثر وأكثر، فخالد شخصية تاريخية يجب دراسة مسيرته، وأخذ الدروس المستفادة لشباب مصر، فتلك الشخصيات هى الطاقة الدائمة والنموذج المستمر الذى ينير طريق المستقبل من أجل مصر، فمصر تحتاج إلى أبنائها المخلصين الأوفياء أصحاب المبادئ، الذين يضعون حياتهم تحت أمر الوطن.. وطن كل المصريين، سيظل «خالد» باقيًا بتاريخه المشرق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة