انشغل الرأى العام أمس بمناقشة العديد من البرلمانيين لفكرة تقنين استخدام موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، وفى الحقيقة فإنى برغم استيائى من حالة العبث التى يسببها هذا الموقع، فإنى لا أؤمن تماما بفكرة وضع العراقيل أمام المستخدمين، لأنى فى الحقيقة لا أعتقد أن مصر تمتلك الآن ما يؤهلها «تكنولوجيا» للسيطرة على ملايين المستخدمين بشكل كامل أو حتى منقوص، ولذلك أرى أنه من الأسهل أن نقنن وضع الشركة ذاتها أو على الأقل نفرض ضرائب على الإعلانات التى تستقبلها من المصريين، فجميع وسائل الإعلام تدفع للدولة ضرائب على الإعلانات، ما عدا فيس بوك وجوجل، صاحبى اليد الأطول فى سوق الإعلانات الآن. وفى الحقيقة أيضا أرى أنه لا بد أن تسرع الحكومة فى التوسع فى استخدام التكنولوجيا الحديثة فى المصالح الحكومية لتعوض ما فاتنا من مواكبة للعالم، ولهذا أعيد ما سبق واقترحته فى 17 سبتمبر 2017 فى مقال بعنوان «دعوة لمشروع البريد الإلكترونى الرسمى» لكى لا تترك الساحة خالية لتلك المواقع التى تستنزفنا ماديا وتهددنا سياسيا وأمنيا ووطنيا.
لن أقول هنا أيضا إن البديل هو «التجربة الصينية» التى منعت غالبية هذه المواقع من الوجود فى أراضيها، فإمكانياتنا الإلكترونية ليست بذات الحكم، واستثماراتنا فى مجال التكنولوجيا تجعل من مجرد التفكير فى الاقتداء بالصين انتحارا، لكننى فحسب أؤكد أن الدولة لا يجب أن تغيب عن هذا العالم الافتراضى الذى أصبح حضوره طاغيا، ولا بد هنا من البحث عن مدخل، ولا بد أيضا أن يستغل هذا المدخل إمكانيات الدولة التى تقدم أكبر حزمة من الخدمات للمواطن، ومن هنا أصبح التفكير فى عمل «بريد إلكترونى رسمى» أمر غاية فى الأهمية.
من حق الدولة أن تلزم مواطنيها بعمل «بريد إلكترونى» تابع لها، ليصبح لكل مواطن عنوان «إلكترونى» معتمد، مثلما له عنوان جغرافى معتمد، وعن طريق هذا البريد الإلكترونى الرسمى يستطيع المواطن أن يتعامل مع كل المصالح الحكومية، ومن خلاله يدفع فواتيره، ويرسل استفساراته ويستقبل مكاتباته البنكية والرسمية، بريد إلكترونى غير قابل للسرقة، لأنه يعتمد على الوجود الفعلى على أرض الواقع، ويستلزم من أجل الحصول عليه اعتماد رسمى مبنى على الأوراق الرسمية، على من يريد إنشاءه أن يرسل صور مستندات رسمية تثبت هويته، ويتم تسليم العنوان الإلكترونى والرقم السرى له مباشرة بعد التحقق من هويته.
هذا اقتراح يجب أن تأخذه الدولة على محمل الجد، ولا بد أيضا أن تراعى التنافسية فيه، بحيث يكون هذا البريد حقيقيا وليس صوريا، وأن يكون ذا سعة تخزينية منافسة، وأن يكون متمتعا بكل شروط الأمان والخصوصية، فهذا البريد ليس سوى «خدمة» تقدمها الدولة، أتعشم أن تصبح مدخلا أوليا لما يمكن أن تضيفه إلى بقية الخدمات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة