إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على ما يحدث فى سوريا لمحزونون، فلست أظنكم أقل منى حزناً على ما يستمر ويحدث فى الدولة العربية صاحبت العلاقات الاستراتيجية مع مصر منذ عهود بعيدة، فما فكر الرئيس الأسبق عبد الناصر بعمل وحدتة المعروفة عام 1958 إلا مع الشقيقة دمشق، وما الأسد الأب إلا حليف مصر إبان حرب الغفران عام 1973، وما تحقق النصر إلا بالعمل العربى المشترك وما الجيش السورى إلا رابع أقوى الجيوش العربية ، وما دمشق إلا أقدم مدينة فى العالم، وبرزت منذ عهد سحيق فى القرن الحادى عشر قبل الميلاد ما تسمى بالحضارة الآرامية التى استمرت هوية البلاد الحضارية الأساسية حتى استعراب معظمها مع حلول القرن الحادى عشر بعد الميلاد. وسميت الشقيقة بسوريا نسبة إلى الإمبراطورية الآشورية التى قادت حضارة وثقافة واسعة فى منطقة الهلال الخصيب، مع إبدال حرف الشين بالسين، وهو أمر مألوف فى اللغات السامية. فهل يفرق القصف الجوى بين المدنى والعسكري؟ هل نستطيع أن نفصل بين من يؤيد الأسد ونظامه وبين من يعارضه فى أثناء القصف الجوي؟ فالإجابة لا نستطيع.
إن الاستعمار لا يزال له زيول قويه ومتجذره وتفكير مرن وفعال خارج الصندوق عكس ما نظن نحن، كما يقال فليس بالتفكير الروتينى الديناميكى العادي، بل يفكر بطريقة تبعده عن الانفاق الكثير من المال حتى لا يسائل أمام شعبه وبطريقة آمنه له. فالهدف من القصف هو القضاء على إيران بطريقة غير مباشرة حيث إنها تعانق الأسد ونظامه لوقف المد الشيعى السرطانى داخل الجسد العربى المتألم. وأيضاً تدمير الدولة السورية.
وبعيداً عن التأييد والمعارضة وبعيداً عن المهاترات السياسية، ومن مع الأسد الإبن ومن ضده، فالآن الدولة السورية تحترق وفى طريقها للإحتضار، ودمشق تبكى كما بكت بغداد ، فلا يعنينا من المسئول بقدر ما يعنينا متى ستنتهى إزاحة الشعب السورى عن أرضة؟ فلقد ملئوا شوارع وجدران منازلنا المصرية فهى بيوتهم ولهم، ولكن لماذا يترك السوريين الأرض؟ لماذا تصبح الدولة خاوية على عروشها؟ لماذا تصبح دمشق مثل بغداد وطرابلس؟ من يدفع ثمن الأطفال الذين فقدوا الأب والأم؟ من يدفع ثمن الآباء الذين رأوا أطفالهم مخضبين بالدماء؟ لماذا يفكر الغرب دائماً وكأنه مفوض الإله فى قتل النفس الآمنه وهى لا تعلم بأى ذنب قتلت؟ لماذا كل هذا الهدوء العربى وكأن سوريا دولة تقطن فى القارة القطبية.
ففى الأمس القريب كانت العراق الدولة القوية الصامدة اغتالتها الأيادى الغربية واستيقظنا فى عام 2003 على أسوأ خبر هز القلوب الضاجعة وهو ليلة سقوط بغداد تحت ادعاء الاسلحة النووية، واجتاح الجيش الأمريكى العاصمة بغداد، والآن تقصف سوريا بأيادى غربية وفق التحالف الثلاثى الأمريكى والبريطانى والفرنسى المعتاد تحت ادعاء الاسلحة الكيماوية، فالباحث فى القضية يجد أنه فى الغالب الأعظم أن الذى يدفع الثمن هو الرجل المدنى البسيط، والأم الثكلى التى لا حول لها ولا قوة، والطفل الذى لا يريد إلا الأمان، والمسن الذى يريد أن يأمن حتى يأتيه الأجل، كما يدفع الثمن أيضاً المطارات والطرق والكهرباء والصحة والمدارس التى تم تدميرها وعمليات التنمية التى تمت خلال السنوات السابقة.
فكبار كتاب الغرب حللوا القصف الغربى على سوريا قائلين بأنه لا بد من دفع ثمن الضربة الأمريكية، بوصفها حملة دعائية" للرئيس الأمركى ترامب ، وهذا عنوان مقال إيغور كريوتشكوف، فى "غازيتا رو"، حول طلب ترامب لتسديد ثمن العمليات العسكرية الأمريكية فى سوريا. حيث جاء فى المقال أن الضربات الصاروخية ضد الأهداف السورية، التى نفذتها القوات المسلحة الغربية بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا فى 14 أبريل، لم تكن فقط استعراضا للقوة والدعاية بالنسبة لواشنطن، بل أيضاً وسيلة للضغط على سلطات دولية أخرى، التى يطلب منها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تمويل حملته السورية.
وأكاد اتلمس كلمات الرئيس الراحل أنور السادات فى الكنيست الاسرائيلى قائلاً : إن فى حياة الأمم والشعوب لحظات يتعين فيها على هؤلاء الذين يتصفون بالحكمة و الرؤية الثاقبة أن ينظروا الى ما وراء الماضى بتعقيداته ورواسبه من اجل انطلاقة جسورة نحو آفاق جديدة . لذا فنطالب الدول العربية بوضع حداً لهذا التدخل الغربى المستميت فى شئوننا العربية دون أدنى عبارات الاعتراض منا. فالسطور يا سادة لم تنته ، والقضية جد خطيرة، والأمر يحتاج منا أن نتروى ونفكر وندرس ونبحث ماذا فقدنا؟ وماذا نريد؟ وإلى أين نذهب؟ فتساقط الجيران لن يشعرنا بالأمان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة