تتفاقم تداعيات الهجوم الكيماوى على مدينة دوما، بالغوطة الشرقية، فى العاصمة دمشق، الذى تتبادل بشأنه الاتهامات بين معسكر الحكومة السورية وحلفائها، والولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائها فى الغرب، وتصاعدت الأمور إلى حد التهديد بتدخل عدة دول أوروبية مساندة لواشنطن فى توجيه ضربات عسكرية داخل سوريا، الأمر الذى تحذر منه موسكو، وتتوعد بالتصدى له بكل قوة وحزم.
والتصعيد المتبادل سواء من خلال البيانات الصحفية أو الكلمات والقرارات المعلنة داخل أروقة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولى، تنذر بخطورة إمكانية حدوث مواجهات مسلحة بين الدول الكبرى الأطراف فى الأزمة السورية، وذلك رغم صدور بعض التصريحات المطمئنة بتوقعات لعدم حدوث مثل تلك المواجهات التى قد تجر العالم إلى كارثة حقيقية.
أمريكا تدرس ردا عسكريا جماعيا ضد سوريا
وبداية، أكد مسئولون أمريكيون، لوكالة "رويترز" للأنباء، أمس الاثنين، أن الولايات المتحدة تدرس ردا عسكريا جماعيا على ما يشتبه بأنه هجوم بغاز سام فى سوريا، بينما أدرج خبراء عدة منشآت رئيسية كأهداف محتملة.
وتعهد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب برد قوى، قائلا إن "القرار سيُتخذ سريعا فى أعقاب الهجوم الذى يُشتبه وقوعه فى وقت متأخر من مساء يوم السبت الماضى فى مدينة دوما السورية وأسقط ما لا يقل عن 60 قتيلا وما يربو على مئة مصاب"، فيما لم يكشف المسئولون الأمريكيون - الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم - عن أى خطط، لكنهم أقروا بأن الخيارات العسكرية قيد التطوير، بينما ورفض البيت الأبيض ووزارتا الدفاع (البنتاجون) والخارجية الأمريكيتان التعليق على خيارات محددة أو ما إذا كان العمل العسكرى محتملا.
ومن جهتهم، توقع خبراء بشأن الحرب السورية، أن تركز الضربات الانتقامية، إذا وقعت، على منشآت مرتبطة بما ورد فى تقارير سابقة عن هجمات بالأسلحة الكيماوية فى سوريا، وأشاروا إلى ضربات محتملة لقواعد تشمل قاعدة الضمير الجوية، التى توجد بها الطائرات الهليكوبتر السورية من طراز "مى-8"، والتى ربطتها وسائل التواصل الاجتماعى بالضربة فى دوما، وقد تستهدف ضربة أكثر قوة قاعدة حميميم الجوية فى شمال غرب سوريا، والتى حدد البيت الأبيض، فى بيان، فى الرابع من مارس، أنها نقطة انطلاق لمهام القصف التى تنفذها الطائرات العسكرية الروسية فى دمشق والغوطة الشرقية.
فرنسا تؤكد الردّ حال تجاوز الخط الأحمر فى سوريا
وتدعيمًا للقرار الأمريكى، أكد الناطق باسم الحكومة الفرنسية، اليوم الثلاثاء، أنه "إذا تم تجاوز الخط الأحمر" فى سوريا، فسيكون هناك "ردّ"، مشيرا إلى أن المعلومات التى تبادلها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، ونظيره الأمريكى دونالد ترامب، تؤكد مبدئيا استخدام أسلحة كيميائية.
وصرّح بنجامان جريفو، لإذاعة "أوروبا 1"، بأنه "إذا ثبتت المسئوليات ورئيس الجمهورية الفرنسية، كررها مرات عديدة، إذا تم تجاوز الخط الأحمر فسيكون هناك ردّ"، وأضاف "رئيس الجمهورية ورئيس الولايات المتحدة تبادلا معلومات تؤكد مبدئيا استخدام أسلحة كيميائية".
تيريزا ماى تدعو إلى محاسبة المسئولين عن الهجوم الكيماوى المزعوم فى سوريا
كما قالت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماى، إنها ستتحدث مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب - فى وقت لاحق، اليوم الثلاثاء - بشأن هجوم كيماوى يعتقد أنه وقع فى سوريا، وقالت للصحفيين فى كمبردجشير، فى شرق إنجلترا، "سأستمر فى الحديث مع حلفائنا وشركائنا كما فعلت، تحدثت مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، هذا الصباح، وسأتحدث مع الرئيس ترامب فى وقت لاحق اليوم".
بينما لم ترد "ماى" بشكل مباشر على سؤال عما إذا كانت بريطانيا ستشترك مع الولايات المتحدة إذا ما قررت واشنطن القيام بعمل عسكرى فى سوريا، لكنها قالت "نعتقد أن المسئولين عن ذلك يجب أن يحاسبوا"، كذلك، قال وزير الخارجية الألمانى هايكو ماس، اليوم الثلاثاء، إن روسيا وإيران لم تفيا بعد بالتزاماتهما فيما يتعلق بسوريا، وإنه يجب مواصلة الضغط على روسيا، وأضاف أيضا أنه من غير المقبول عدم تحميل أى طرف مسئولية ما يشتبه بأنه هجوم كيماوى فى سوريا وصفه بأنه جريمة مقيتة.
تونى بلير يطالب تيريزا ماى بالتدخل فى سوريا
بدوره، أكد رئيس الوزراء البريطانى الأسبق تونى بلير، اليوم الثلاثاء، أن بريطانيا ستضطر إلى دعم أى تدخل عسكرى بقيادة الولايات المتحدة فى سوريا أو إعطاء تفويض مطلق لاستخدام الأسلحة الكيماوية فى المستقبل، مطالبا رئيسة الوزراء تيريزا ماى بالتصرف سريعا وعدم انتظار الحصول على موافقة نواب البرلمان.
وفى تصريحات لشبكة "سكاى نيوز"، قال زعيم حزب العمال الأسبق، "إذا لم ترد على استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، فمن الواضح أننا نتجاهل ما قاله المجتمع الدولى"، وأضاف "هذا هو أمر غير مقبول ويجب أن يتم محاسبة أولئك الذين يستخدمون مثل هذه الأساليب، ونحن نعطى تفويضا مطلقا لاستخدام الأسلحة الكيماوية، متابعا "أعتقد أنها معادلة بسيطة، حتى لو اتخذنا الإجراء - وهو ما أعتقد أنه سيتعين علينا القيام به - فإنه لا يحل القضية فى سوريا".
وأوضح بلير، أن الحكومة لا تحتاج إلى تصويت فى البرلمان للانضمام إلى أى عمل أمريكى فى سوريا، لأنه لن يكون هناك تدخل برى، بل مجرد دعم للتدخل العسكرى من جانب الولايات المتحدة، وتركت بريطانيا الباب مفتوحا أمام خيار الضربات الجوية فى سوريا.
"الكرملين": موسكو لن ترضخ لضغوط الغرب لتغيير سياستها
وفى المقابل، قال ديمترى بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، اليوم الثلاثاء، إن موقف الولايات المتحدة ودول أخرى من مزاعم استخدام أسلحة كيماوية فى سوريا، ليس بناء، مؤكدًا أن موسكو لن تستسلم لضغوط تمارسها الدول الغربية عليها لتغيير سياساتها.
وأضاف بيسكوف - فى تصريحات بثتها وكالة أنباء (تاس) الروسية - "روسيا لا تفعل شيئا تحت الضغط، ودائمًا ما تتصرف وفقًا لمصالحها"، مضيفًا أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لطالما أشار إلى هذا الأمر فى العديد من المناسبات، وحينما سُئل عما إذا كانت الصعوبات الاقتصادية التى واجهتها روسيا خلال الأيام القليلة الماضية، فى ضوء فرض عقوبات أمريكية جديدة، يمكن أن تؤثر على موقف موسكو، قال بيسكوف، إن "الوضع يتطلب إجراء تعديلات، وهذه القضية نالت الاهتمام اللازم".
نائب روسى: سنرد بتدابير انتقامية حال وجهت أمريكا ضربة لسوريا
وفى السياق ذاته، حذر رئيس لجنة الدفاع فى مجلس النواب الروسى (الدوما) فلاديمير شامانو، اليوم الثلاثاء، من اتخاذ بلاده تدابير انتقامية سياسية ودبلوماسية وعسكرية إن لزم الأمر فى حالة توجيه الولايات المتحدة ضربة لسوريا.
وقال شامانوف - فى تصريحات نقلتها وكالة أنباء (تاس) الروسية، "سياسة المعايير المزدوجة وصلت إلى الدرك الأسفل، وسيتم اتخاذ كل الإجراءات العسكرية والدبلوماسية والسياسية إن تطلب الأمر"، متعهدًا بأنه لن يبقى أى إجراء غير قانونى معلقا بدون رد.
واستنكر شامانوف، تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن رد واشنطن فى غضون 48 ساعة، قائلًا "لا يجب أن يعلقوا آمالهم على فرق العمل البحرية والخدع الخاصة بهم، فنحن دولة ذات سيادة ولدينا حلفاء وضامنون لتلك الأحداث التى تقع فى سوريا ولن نسمح للأمريكيين بأن يدقوا المسامير على سندان شخص آخر"، وشدد على أن الإجراءات المحتمل أن تتخذها روسيا يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، ووصف التقرير الذى صدر عن ادعاءات بشن هجوم باستخدام أسلحة كيميائية فى مدينة دوما بسوريا بأنه تحريض مطلق.
روسيا: سنقدم مشروع قرار بمجلس الأمن للتحقيق فى الهجوم الكيميائى بدوما
وعلى الرغم من التصعيدات السابقة، إلا أن الجانبين السورى والروسى اتخذا خطوة فى إطار تهدئة الأمور، حيث قال وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، اليوم الثلاثاء، إن روسيا ستتقدم بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولى تقترح فيه أن يزور مفتشون دوليون موقع هجوم كيماوى مزعوم فى دوما السورية، وأضاف أن القرار سيقترح إرسال مفتشين من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية للتحقيق فى الهجوم المزعوم.
سوريا تدعو منظمة حظر السلاح الكيماوى لإرسال فريق تحقيق فى دوما
كما ذكرت وسائل إعلام سورية، اليوم الثلاثاء، أن الحكومة دعت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لإرسال فريق للتحقيق فى مزاعم الهجوم الكيماوى فى مدينة دوما بالغوطة الشرقية.
ونسبت الوكالة العربية السورية للأنباء إلى مصدر رسمى بوزارة الخارجية، قوله، "سوريا تؤكد حرصها على التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لكشف حقيقة الادعاءات التى تقوم بالترويج لها بعض الأطراف الغربية وذلك لتبرير نواياها العدوانية خدمة لأهدافها السياسية".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة