وقفت أحزمة جريد النخل متراصة بانتظام تحيط بالمكان، جاورتها الأقفاص والكراسى التى أعلنت عن وجود أيادٍ تبذل الجهد وتنتج فى هذا المكان، تتتبع صوت الدقات المنتظمة لداخل المكان لتجد "شعبان" يجلس على الأرض منهمكا فى عمل الأقفاص من جريد النخل، بالرغم من بدائية حرفته، إلا أن النظام هو السمة الغالبة على مكان عمله.
تتراص هنا أكوام الجريد المثقوبة، بمختلف أطوالها وأحجامها، وبجانبه أدوات يستخدمها للطرق على الجريد لتشابكها فى بعض، وهناك مجموعة من الأقفاص التى انتهى منها، وهو يعمل فى سرعة منتظمة، وكأنه أصبح يعلم مكان كل قطعة دون انتباه أو تركيز.
"بقالى 25 سنة بعمل أقفاص الجريد"، بتلك الكلمات تحدث الشاب الثلاثينى عن سنوات قضاها فى رحلته مع تلك الحرفة، حيث إنه لم يعرف سواها، وتوارثها عن أبيه وجده.
لا يسمح شعبان لأى شخص أن يصرفه عن إنجاز عمله، ويستمر فى تشبيك قطع الجريد والطرق عليها بـ"الخفيفة" التى أصبحت رفيقة ضربه مع مرور السنوات. "الخفيفة، والسلاح لعمل الثقوب"، تلك هى الأدوات التى يستخدمها شعبان فى حرفته، بالإضافة لأطوال معروف نسبها يقطع عليها الجريد.
"ماتعلمتش القراية والكتابة، بس معايا صنعة هعوز إيه تانى"، هكذا كشفت كلمات شعبان عن رجل نشأ فى بيئة بسيطة لا تعرف سوى امتلاك الحرفة، والعرق سبيل للحياة، مضيفًا: "مهنتى محسسانى بالحرية، باجى وقت ما أحب، أهم حاجة أخلص الشغل المطلوب منى"، حيث إنه لا يرتبط بعدد محدد من الأقفاص أو الكراسى من الجريد، بل يكون الشغل المطلوب "حسب تساهيل ربنا وتوافر الجريد".
8 دقائق هو الوقت المطلوب لعمل القفص من البداية للنهاية بين أصابع "شعبان"، وهو الذى يضع له تسعيره 10 جنيهات، بينما يصل سعر الكرسى لـ70 جنيها.. ساعات طويلة على مدار يومه يقضيها شعبان منجزًا مهمته لسنوات طويلة فى صناعة الأقفاص من الجريد، حتى أصبح يعرفها كما يعرف ملامح أبنائه، وحفظت أنامله تفاصيلها وخطواتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة