وتدخل فى صلب الموضوع خلق كثير ليخرج علينا محامى الحسبة متنازلاً عن بلاغه، وقبول اعتذار الفنانة التى فى عمر بناته، وعفا الله عما سلف، طيب ده كان ليه، وكل ده كان ليه؟ حد فاهم حاجة يفهمنى، جد أنا مش فاهم حاجة، هو كل محامى معاه رخصة سحب أى بنى آدم على النيابة، هو كل محام يملك توكيلا مجتمعيا لمناهضة الرذيلة ومكافحة العرى، هو كل محام من حقه أن يفرض ذوقه ومعتقداته على المجتمع، فإذا قرر معاداة الخيار مثلا، فعلينا اتباعه باعتباره يملك الحق الحصرى فى البلاغ المبين لمكتب النائب العام؟
وإذا كان يملك حق البلاغ، هل أيضا يملك حق التنازل عن البلاغ بذات سهولة تقدمه ذات البلاغ، يعنى يقدم ويتنازل فى آن، ومَن ذا الذى سمح له بالأولى والثانية، وهكذا دواليك، يهدد، يتوعد، يقدم بلاغا، يتراضى، يتنازل، يسحب البلاغ؟!
طيب فهمونى ألا يعد هذا إزعاجا للسلطات، ألا يعد تضييعا لوقت النيابة، ألا يعد اهتبالا لمقاصد العدالة، هل يحدث مثل هذا فى العالم من حولنا؟ لو أعلن المكتب الفنى للنائب العام عن عدد البلاغات من هذه النوعية البطالة لافتضح أمر المحتسبين الجدد، لقد قيد القانون الحسبة وأطلق المحتسبين عقورين على الناس.
الظاهرة المخيفة أن نفرًا من المحامين استباحوا رخصة ملّكتهم إياها العدالة ليسعوا فى محرابها متقفين العدل، فاهتبلوها واستحلوها بضاعة يروجون بها على الفضائيات، مهددين متوعدين مبلّغين، للأسف الاستباحة بالقانون، ولىّ الأعناق بالقانون، وترهيب الناس بالقانون، والعفو والسماح بالقانون، إنهم يعزفون لحنا نشازا على القانون.
يقينًا لم تعتذر «رانيا يوسف» إلا بعد أن هددها فريق الحسبة بسحبها على المحكمة بتهم تنتهى بها إلى سجن القناطر فى قضية آداب، كان ناقص يصلبوها على الحوائط الفيسبوكية، استباح «المحتسبون الجدد» سمعتها أولاً، ثم أسرعوا إلى الإبلاغ عنها، فخافت فخشيت فارتعبت فاعتذرت، فعفوا عنها على الهواء مباشرة، قدموا لائحة الاتهام وقضوا فيها وعفوا عن المتهمة، كل ذلك خارج المحكمة، بعيدًا عن العدالة، بالقضاء العرفى، بالقضاء الفضائى.
المحتسبون الجدد يكسبون أرضا جديدة، خطير جدا الإذعان لسطوة هؤلاء بعيدا عن القانون، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، رانيا خافت فمسكت فى البطانة، كان لابد من الوصول إلى المنصة العالية لنحاكمهم هم، لنقف منهم موقفا نعلمهم فيه كيف يحترمون حريات البشر، ولا يعدّون على الناس أنفاسهم أو يقيسون ملابسهم بالشبر.
فى كل مرة يعملوها ويخيلوا، أصبحوا مثيرين للخيال، فعلوها سابقا وأرهبوا البعض، وأهدروا دم البعض، وفرقوا بين المرء وزوجه فى المضاجع، عجبًا ركبوا المنابر الفضائية عنوة، فطاحوا فى الخلق باتهامات كالحيات تسعى، يتقفون صور وفيديوهات الفنانين!
نعم، البعض صار يخشى منهم، وهم لا يختشون، نفر من المبدعين صار يتحسس رقبته، يطمئن أن رأسه لاتزال فوق جسده، مسجونون فى سجن الخوف، مَن هؤلاء الذين يسوقوننا إلى المذبح، من أين لهؤلاء هذه السطوة على العقول، إلى متى نظل أسرى مقيدين أمام تفحش المحتسبين الجدد، يتوعدوننا، محملين بروح عدائية عاتية تعجب الذى فى قلبه مرض؟
لعنة المحتسب أصابت العصب المصرى منذ زمن بعيد، وتمكنت من العقل الجمعى، التكفير والتفسيق صار أقرب إلينا من حبل الوريد، نسبح عراة فى بحيرة آسنة، ونجدف بما أوتينا من عزيمة للإفلات من تماسيح متوحشة ترقد ممددة تنتظر فريستها منهكة، التكفير صار «لبانة» فى الأفواه، يمضغونها، ثم يبصقونها فى وجوه الذين أبدعوا، وقالوا إنا مفكرون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة