إذا كتبت اسمه بالتاء المربوطة إذًا أنت لم تعرفه جيدًا، يكتبه المحبون فقط بالهاء، لأنه يحب اسمه بالهاء، وحدثنى صديق أريب «الأستاذ محمد درويش» بأن الهاء هى المفضلة للأستاذ، كتبت اسمه بالتاء المربوطة مرة فى الأخبار ولم أكررها، واليوم أنعيه بالهاء محبًا وليس بالتاء المربوطة تصحيحًا لخطأ ارتكبته فى حياته طالبًا له الرحمة والمغفرة ورضوان من الله.
على عكس كل الزملاء بدأت علاقتى بالراحل الكبير الأستاذ إبراهيم سعده، بعد أن ترك منصبه بزمن، وغادر إلى جنيف ليقضى فيها أيامه الأخيرة قبل أن يعود إلى القاهرة ليودع الأحبة ويمضى، علاقة محبة خالصة، لله فى لله، الأستاذ كان يتعطف بالثناء على بعض ما أكتب، ويغمرنى بفيض كلماته، وكنت أستغل مكالماته الشحيحة للتسلل إلى قلبه، كان قلبه عليلًا، فكان يرد بظاهر القول ولكنه كان يخفى الما بين ضلوعه، ولم أكن يومًا المقرب منه ليفضفض ولكنه كان يقول كل الكلمات الموحيات فقط فى جملة عابرة أقرأ فيها كل عذابته فى الغربة.
لم أحظ بهذه اللفتات المسائية وحدى، كنت أعلم أن الأستاذ يطل على الأحبة كل حين «فيسبوكيًا» أو هاتفيًا بفيض من محبته، ويتعطف عليهم بثناء أو بتهنئة أو بنغش، والكل يتمنى من كل قلبه أن يراه قائمًا بيننا يكتب وينشر ويملأ الدنيا بأفكاره ويفيد رهطًا من الصحفيين بخبرته الصحفية، جيل الأجداد فى الصحافة للأسف يغادرون منهكين، والمهنة تئن كما لم تعان طوال تاريخها على المستوى المهنى والإنسانى.
الفقد اليوم عظيم، أخبار اليوم الكبيرة تنزف أبناءها العظام، الراقى الساخر أحمد رجب غادرنا باسمًا، وصاحب الريشة الصاخبة الكبير مصطفى حسين قطع بنا، ثم تاليًا الأستاذ الكبير إبراهيم سعده، الصحافة المصرية تفقد جواهر التاج فى متوالية حزينة، الكبار يرحلون مخلفين ألمًا، إنه لفقد عظيم.
الحديث عن القيمة والقامة لا يضيف إلا حزنًا جديدًا، إبراهيم سعده اسم حقيقى فى عالم حقيقى، موهبة تجلت على الورق وشهدت بها «أخبار اليوم»، نقلها إلى عصر الكيانات الصحفية العملاقة، أخبار اليوم مع سعده كانت تناطح أهرام إبراهيم نافع، رحل نافع وتبعه سعده، وبقت أخبار اليوم وبقت الأهرام شاهدة على عصر مختلف من الصحافة التى بلغت شأوًا عظيمًا.
هذا جيل لن يعوض ولو بعد حين، هذا جيل لو تعلمون عظيم، وما تبقى من شيوخ هذا الجيل الفريد جدير بالحفاوة والاحتفاء، يستوجب أن يكرموا فى حياتهم قبل رحيلهم، لو كتب من كتب مقرا بفضل الأستاذ سعده عليه لكان مذاق الأيام الأخيرة مختلفًا، الأستاذ عانى كثيرا، كتم ألمه بين ضلوعه وأشاع فينا من روحه أملا فى عودته، فلما عاد كان غادرنا، وكم تمنينا عودته، ولكنه عاد إلى فرشته ليلقى ربه راضيا مرضيا.
حزينة هذه الأيام، كم مرت أيامه أمام عينيه، وكم مرت عليه ذكريات أيام خوالى، كم كان يغتبط عندما يتذكر ابن بار عيد ميلاده، أو تتفضل ابنة بارة بتشيير صورة مرسومة لوجهه باسمًا، كان يشكر بخجل، ويبتسم على البعد، كم كنت جميلًا وأنت تتصل لتشكر، وتتصل حبًا وأنت صاحب فضل، ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو فضل.
فاتنى أن أكون تلميذًا فى مدرسة إبراهيم سعده ، وفاتنى أن أكون قريبًا منه، لا أتخيل كيف مضى العمر الطويل، وهن العظم واشتعل الرأس شيبًا ولم ألتقه، رقبته على البعد كاتبا ذى سطوة، ندرة هم هذه النوعية من الكتاب، قلم يغير، يحرك، قلم مسموع، مرهوب، يحمله كاتب رقيق الحاشية لطيف.
عن كثب تتبعت نقلته التاريخية لأخبار اليوم، وصل ما انقطع بين عصر التوأم العملاق «مصطفى وعلى أمين» وعصر جديد استعادت أخبار اليوم زخمها وعنفوانها وتجلت متألقة ينتظرها الناس كل سبت ليطالعوا مقال الأستاذ سعده على الصفحة الأولى، سعده فى عصر سطوة الصحافة الورقية كان صاحب الأرقام المليونية فى التوزيعات الصحفية، يقينًا هناك من الأساتذة فى أخبار اليوم من هو قادر على تسجيل تجربة سعده فى أخبار اليوم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة