قلت سابقا إننى أعتبر راغب عياد، فنان مصر الأكبر برغم وجود العديد من الأسماء العملاقة الأخرى كمحمود سعيد ويوسف كامل وأحمد صبرى وعبد الهادى الجزار وغيرهم، وفى الحقيقة أنا لا أريد التقليل من شأن فنان لحساب آخر أو الإعلاء من فنان على حساب آخر، لكننى أحفظ بكثير من الإجلال والتعظيم لراغب عياد مجهوده الكبير فى تمصير الفن التشكيلى وإحيائه للتقاليد المصرية القديمة بمنظور جديد، لا يعيش عالة على المنتجات الفنية الأوروبية، ولا يقاطعها أو يتخذ منها موقفا عدائيا، فقد نقل راغب عياد الفن التشكيلى المصرى فى فترة مبكرة من خانة الاقتياد إلى خانة القيادة، وهو ما نبه الفنانين الآخرين إلى ضرورة التفتيش عن مصر فى كل ما يبدعونه، وحتى حينما أراد الفنانون المصريون أن يسايروا حركة السريالية العالمية اخترعوا ما أطلق عليه فيما بعد «السريالية الشعبية»، فرأينا مشاهد السيرك والموالد كما رأينا الكثير من الطقوس الشعبية على لوحات الفنانين، وهو ما أسهم بشكل كبير فى حفر الشخصية الفنية المصرية.
راغب عياد هو الرائد، بالألف واللام، هو الكبير بلا منازع، وهو الأعمق تأثيرا والأكثر جرأة فى التطوير، والأكثر أصالة على الإطلاق، وإننى لأعجب، كيف يكون راغب عياد بكل هذه الجرأة الفنية، وكل هذا الإسهام الطليعى، برغم أن الجميع يؤكد أنه كان غاية فى الدماثة والأدب والالتزام، فهو من حيث السلوك الشخصى أقرب من الجميع إلى المحافظة، ومن حيث التعبير الفنى أكثر من الجميع جرأة وثورية.
فى كتابه المهم «أحاديث فى الفنون الجميلة»، وبالتحديد فى مقالة «قصة الفن الشعبى» يسرد «عياد» فلسفته الفنية فيقول: «إن أعجابى عظيم بالاستعراضات الشعبية، مثل حفلات العرس والحفلات الدينية المتعددة الأشكال والمتنوعة الألوان، كالموالد وما تقدمه من أنواع الفرح، والمرح الشعبى وما تعرضه علينا من مشاهد مثل عرائس وفرسان المولد، ومن الدمى المصنوعة من الحلوى وفى ملابسها المزركشة التى تجلب الفرح... والعرائس رمز الموالد ما هى إلا صورة من تفكير الإنسان البسيط الذى لم يتقعد والذى ينفعل ويعبر عن انفعالاته فى بساطة ويسر.. ولا يخفى راغب عياد إعجابه بـ«بائع العرقسوس»، والسقا والحملى والأدباتى والشربتلى، كما نرى أنواعا من المرح والترفيه للأطفال كصندوق الدنيا والقراقوز وخيال الضل ورسام الوشم وبائع العرائس وبائع الفوانيس ورقص بنت باريس والحاوى والشاعر يعزف على الربابة، وحلقات الذكر وحلقات البرجاس ورقص الخيل والعازفون على الطبل والمزمار ولاعبى التحطيب»، كما يذكر عياد الأعياد التى يحبها مثل «شهر رمضان شهر الخير ورمز التقاليد الصالحة مما يبعث البهجة والنشوة عند الصغار الذين يحملون الفوانيس ذات الأضواء المتنوعة، وعيد الربيع «شم النسيم» الذى تحتفى به البلاد قاطبة والجميع يهجرون بيوتهم ويمشون هذا اليوم فى الحدائق المزهرة وعلى شاطئ النيل فى أنس وانشراح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة