"ليست الحكاية العجائبية بمحض خرافة لازمت العقل ثم تلاشت مع مرور الزمن وانتقال المجتمعات من البداوة للحضارة، ولا هى ثرثرة فارغة المعنى والدلالة، تحكيها العجائز للصغار فى ليالى الشتاء الباردة، بل هى خلاصة حكمة، وبقايا معتقدات ظلت تسيطر على عقل الإنسان لعدة قرون، إنها حس شاعرى للإيقاع الجمالى فى الإنسان، ولذلك فالحكاية لم تكن أبدا وليدة إبداع فردى، ولا هى قاصرة فى وجودها على حضارة بعينها، إنها نتاج عقلى جمعى، عرفها الإنسان مع لحظات الاكتشاف الاولى" بهذه المقدمة بدأ الكاتب الدكتور نبيل حمدى الشاهد، كتابه "الحكايات العجائبية فى السرد العربى القديم: مائة ليلة وليلة والحكايات العجيبة والأخبار الغريبة نموذجا" الصادر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
والكتاب بحسب ما يعرفه الكاتب هو هو دراسة البنية الحاكمة والمنطق الداخلى الذى يسيطر على سردية الحكى، متوخيا ربط ما هو شكلى بما هو موضوعى، محاولا سبر أغوار البنية العميقة، عبر الآليات التى يدشنها الراوى لجذب المروى له، كى لا يستطيع الفكاك من سلطته، التى مازلنا قابعين تحت أسرها حتى وقتنا هذا، وكأننا ما برجنا الحركة للإمام.
وتقوم مادة دراسة هذا الكتاب على كتاب "مائة ليلة وليلة" وكتاب "الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة"، وهما من التراث القصصى الشعبى، والأول يحوى ثلاث وعشرين حكاية، بقى مخطوطا لعدة قرون، إلى أن اكتشفه "قودفروا ديموميين" المستشرق الفرنسى الذى نشره لأول مرة بالفرنسية عام 1911، ولهذا الكتاب خصوصية تاريخية إذ انه سابق لألف ليلة وليلة من ناخية الظهور، كما أن محدودية ليالته جعلته أكثر تكثيفا واقترابا من روح القصص القصيرة، أما الكتالب الثانى، فقد دونت حاياته ى القرن السابع الهجرى كما اعتقد بذلك محقق الكتاب "هانز فير، وهو يحتوى على ثمانية عشر حكاية مخطوطة.
ويضم الكتاب خمسة فصول، الأول بعنوان "السردية اللسانية (مستويات الإرسال والتلقى فى النص العجائبى)"، وتناول ثلاثة مباحث أساسية، الأول عن الطرق السردية فى بنية الاستهلال، والثانى تناول آلية الإرسال ممثلة فى الراوى، الذى تونوعت طرق ظهوره وعلاقته بالمروى، والثالث أفترد الحديث عن الراوى باعتباره ممثلا لآلية التلقى.
وفى الفضل الثانى بعنوان "السردية الدلالية: مضمون الأفعال السردية فى الحدث العجائبى"، وجاء أيضا فى ثلاثة مباحث، الاول تناول تقنية التأطير بأبعادها الثلاثة (إطار الإطار – الإطار الرحمى – الإطار المشيمى)، والثانى مخصصا لدراسة الأفعال القصصية، والثالث لدراسة أهم القوانين الشكلية للحدث العجائبى "الصدفة – الحلم – الحيلة".
ويأتى الفصل الثالث بعنوان "بنية الشخصية فى النص العجائبى" واعتمد فيه المؤلف على منهج جريماس فى تحليل شخصيات ووظائفها طبقا للنموذج العاملى، والذى فيه الفعل/ البطل، الشخصية الأكثر استحواذا على مقدرات الحكى لدى الجماعة الشعبية.. أما الفصل الرابع والذى جاء بعنوان "بنية الشخصية فى النص العجائبى" جاء مقسما إلى مبحثين الأول درس فيه الكاتب الزمن السردى، والذى جاء بناء على نظرية المفارقة الزمنية، والثانى لدراسة المكان عن طريق تقسيمه لعدة فضاءات تتقابل ما بين العجائبى القامئ على تأسيس لفضاء الجن وفضاء الكنز، أو واقعى يتأسس على ذكر مفردات مشهرة فى واقعنا المعيش.
بينما جاء الفصل الخامس والأخير، بعنوان "البنية السوسيولوجية فى النص العجائبى"، حيث حاول فيه المؤلف تجميع شذرات النص التى لها علاقة بالبنية التحتية للمجتمع المنتج لهذه النصوص.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة