سعيد الشحات يكتب:ذات يوم 7 نوفمبر 1854 .. ديلسيبس يصل إلى الإسكندرية لتهنئة سعيد باشا على توليه حكم مصر وفى جيبه مذكرة بحفر قناة السويس

الأربعاء، 07 نوفمبر 2018 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب:ذات يوم 7 نوفمبر 1854 .. ديلسيبس يصل إلى الإسكندرية لتهنئة سعيد باشا على توليه حكم مصر وفى جيبه مذكرة بحفر قناة السويس ديلسيبس

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعث الفرنسى فرديناند ديلسيبس من باريس، برسالة تهنئة إلى صديقه سعيد باشا بن محمد على، يوم 15 سبتمبر سنة 1854، لتوليه عرش مصر خلفا لابن شقيقه عباس باشا الذى اغتيل بقصره بمدينة بنها يوم 13 يوليو 1854، وكانت تلك الرسالة خطوة أولى فى الطريق إلى حفر قناة السويس.
 
استأذن «ديلسيبس» صديقه «سعيد» بأن يأتى لمصر لتهنئته، حسبما يؤكد الدكتور مصطفى الحفناوى، فى الجزء الأول من كتابه «قناة السويس ومشكلات مصر المعاصرة»، مضيفا: «لم يضيع «سعيد باشا» وقتا، وحدد أول نوفمبر ليجتمع به فى مدينة الإسكندرية».. كانت صداقتهما قديمة وتعود إلى زمن محمد على باشا، ووفقا للحفناوى، فإنه فى أوائل سنة 1832 عينت الحكومة الفرنسية «فرديناند» نائب قنصل بالإسكندرية، وظفر بعطف محمد على الذى كان صديقا لفرنسا، ويستقدم منها الخبراء والعلماء والمتخصصين فى مختلف العلوم والفنون والآداب.. يضيف الحفناوى: «طابت لفرديناند» الإقامة فى مصر فأغرم بركوب الجياد العربية، حتى صار يدربها على العدو والسباق، ولاذ به مواطنوه من رعايا فرنسا المقيمين بالقاهرة والإسكندرية، وكانوا فى حياتهم الخاصة مؤتلفين بحيث كانوا أشبه بأعضاء أسرة واحدة، فتجمعهم الموائد والسهرات، وكان ديلسيبس بمثابة الروح فى تلك المجتمعات الفرنسية لأنه كان جذابا، ومحدثا فذا، وراقصا لا يمل المراقصة وذا مظهر أنيق».
 
كان «سعيد» يبلغ عشر سنوات «مواليد 17 مارس 1822» حين جاء «فرديناند» نائبا للقنصل فى الإسكندرية وعمره 27 عاما «مواليد 19 نوفمبر 1805»، ووفقا لإلياس الأيوبى فى المجلد الأول من كتابه «تاريخ مصر فى عهد الخديو إسماعيل باشا»: «لما شب سعيد، عهد محمد على إلى فرديناند بأمر الاعتناء بصباه».. ويضيف: «علم الأمير اليافع ركوب الجياد، وحبب إليه إجهاد النفس فى التمارين الرياضية - وكان «سعيد» فى أشد الاحتياج إليها لأنه كان عظيم الجثة، بدينا إلى حد أن أباه حتم عليه حضور أربعة عشر درسا فى اليوم، والإكثار من الرياضة الجسمية، لكى تذهب عنه بدانته، وأنه كان يزنه كل أسبوع، فإذا وجد وزنه زائدا على ما كان فى الأسبوع السابق، عاقبه عقابا صارما، فإذا وجده ناقصا كافأه، ولو أن عظم جثته وبدانته لم يكونا فى بدء أمره مرضا، بل كان كعظم جثة»، يؤكد الأيوبى: «نشأ عن اعتناء فرديناند بسعيد، أن هذا الأمير الشاب صادقه مصادقة أكيدة وألفه ألفة زائدة، وكان الباشا العظيم أبوه من أكبر مشجعيه عليها، ومن أميل الناس إلى توثيق عراها بينهما».
 
استدعى «فرديناند» كل هذا الماضى حين قرأ وهو فى باريس خبر وفاة «عباس باشا»، ويصف الحفناوى حالته: «رأى ليلة القدر فى وضح النهار»، وكتب رسالته إلى صديقه القديم، فرد عليه بأن يحضر، ويؤكد الحفناوى: «فى 7 نوفمبر «مثل هذا اليوم» 1854، وصل إلى الإسكندرية، وفى جيبه مذكرة أعدها ليرفعها إلى سعيد باشا، ولكن مع أنه استقبل بما عرف عن مصر من المبالغة فى إكرام ضيوفها ونزلائها لم يبادر برفع المذكرة، بل احتفظ بها فى جيبه حتى تأتى الفرصة يكون فيها الوالى منشرح الصدر، مطمئن البال».
 
كانت المذكرة عن مشروع حفر قناة السويس، أما ترقب «فرديناند» للحظة تقديمها فيعود وفقا للحفناوى إلى معرفته بأن «سعيد متأثر بآراء والده محمد على بتجنب مشروع حفر القناة ليدرأ عن مصر متاعب كثيرة، وأنه يسير على سنة أبيه»، غير أن طريقة استقباله فى الإسكندرية هزته، حيث «نقلته من الميناء عربة خديوية ذات خيول مطهمة، يجرى أمامها السايس والقواس إلى دار الضيافة.. وبدأ الثعلب الفرنسى الماكر منذ اللحظة الأولى يتجسس ويسأل الخدم ورجال الحاشية، ومن صادفهم من الخلان، عن مزاج سعيد وعاداته وما صارت إليه طباعه، وكيف يمكن التأثير عليه، ومن هم أصحاب الحظوة عنده، وهكذا من المقدمات الضرورية لتنفيذ خطة أراد إحكامها».
 
استقبله سعيد باشا فى قصره بالقبارى بعد وصوله بساعات، حسبما يؤكد الحفناوى، مضيفا: «لبس ديلسيبس الحلة الرسمية، ووضع نياشينه فوق صدره، وحرص على أن يعطى المقابلة المظهر الرسمى، متناسيا الصداقة القديمة.. أراد أن يداعب كبرياء الوالى ويصل إلى قلبه.. كان سعيد وقتئذ فى عنفوان شبابه، فى الثانية والثلاثين من عمره وله ثقافة أوروبية ولسان ينطق الفرنسية بفصاحة تلفت الأنظار، ومع ذلك كان يفرض رأيه ويبغض الجدل والمناقشة». يؤكد الحفناوى: «بدأ ديلسيبس يعمل فى حذر كمن يمشى على خيط العنكبوت فيستهوى إليه قبل مفاتحة الرجال الذين عرف أنهم لهم حظوة لدى سعيد باشا، ويصل إلى قلب كل واحد من أفراد الحاشية بطريقة خاصة، وأسلوب يجعلهم يتعلقون بشخصه، وهو مخادع لايبارى ولايمارى، وكتم مشروعه عن أقرب المقربين إليه حتى عن قنصل فرنسا واسمه «ساباتيه»، ولم يصارح غير اثنين من خلصائه وهما القنصل الهولندى «رويزنير»، وصديقه «جيريت»، واجتمع الثلاثة ذات مساء يتذاكرون الموضوع، فاستقر رأيهم على أن الفرصة غير مواتية». غير أن الحال تبدل يوم 15 نوفمبر سنة 1854.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة