مع الاختلاف الدائم حول معنى كلمة نضج، أرى أنه فى الغالب يظهر واضحاً عندما نجد ما كنا نعانيه منذ سنوات لم نعد نعانيه اليوم، أو على الأقل ليس بنفس الدرجة، وأن ما كان يزعجنا فى السابق لم يعد يزعجنا بنفس القدر، وأن ما كان يمثل لنا شيئا خطيرا أصبح أقل خطورة وأقل أهمية، وأن ما كان سرا عظيما فى الماضى أصبح عاديا بل ومضحكا.
ولكننى التفت مؤخرا إلى أن درجة النضج التى نصل إليها لا تثبت بالضرورة، فأحيانا ما أشعر أننى بلغت من الرصانة واختمار الأفكار وتبلور المعانى إلى نقطة تأخذنى إلى قمة الحكمة والحصافة، ثم وفى لحظة ما، أجد ما ظننته نضجا وحكمة تراجع بوضوح وبشكل ملحوظ.
فالقيود التى تخلصت منها والأمور التى ما كانت تعنينى أصبحت تقيدنى وتعنينى وبشكل كبير، فأستفيق وأدرب نفسى على استرجاع نقطة العقل التى وصلت إليها، وبمحاولات متكررة، أعود إليها وأستقر بها أو أعلو بها قليلا، ثم بعد شهور أو أعوام أجد نفسى قد عدت إلى الخلف ولو قليلا إلى النقطة الأضعف، وهكذا.
فمثلا؛ بعض الذين كانت آراؤهم وتعليقاتهم لا تؤثر فى، أو فى تصالحى مع نفسى، أصبحت آراؤهم تؤثر فى وفى ثقتى فى نفسى أو على الأقل تعكر مزاجى.
وبعدما أقنعت نفسى بأن العمر لحظة وأن الدنيا ليست إلا اختبار طويل، وأنه لا خيار لنا سوى اللهاث من أجل جمع أكبر عدد من الحسنات ومحو أكبر عدد من السيئات، فأركز فى صلاتى وقراءة القرآن وأتوقف عن أى نميمة، حتى أجد نفسى بعد فترة وقد تراجعت درجة خشوعى وإتقانى لصلواتى وقلت قراءتى للقرءان، وعدت أتحدث بالنميمة والغيبة والحكايات، وأستمع إليها.
والأمثلة على هذا النحو عديدة، وهذا ما ألاحظه فى كل من أعرف، اتضح لى أن النضج والرشاد ليسا مضمونين وأن السداد والهداية ليسا محفوظين إلى الأبد، بل إنهم يزيدون وينقصون، يتقدمون ويتراجعون ولا تزال المثابرة مستمرة.
كيف حال نضجك؟ هل تشعر بتراجعه وتقدمه؟ أم تصل إلى القمة ثم تبدأ بالسقوط؟
هل تنقذ نفسك أثناء هذا السقوط؟ فتعود إلى قمتك؟ أم تتركها تصل إلى الهاوية؟ هل نضجك يرتفع فق، أم يرتفع ويهبط مثلى؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة