«التنين الصينى» كائن أسطورى فى الفلكلور الصينى، يتم تصوير التنانين دائمًا فى شكل كائنات طويلة أفعوانية ذات قشور بأربعة أرجل، وترمز قديمًا إلى السلطان والقوة المبشّرة، واعتاد إمبراطور الصين استخدام التنين بهذا المعنى ليرمز إلى سلطاته الإمبراطورية وقوته البالغة.
لم تكن زيارة رئيس الوزراء المهندس مصطفى مدبولى إلى «التنين الصينى» نزهة خلوية، لكنها زيارة وجوبية، فالشراكة المصرية/ الصينية تتفاعل على نحو يستلفت انتباه كبريات المراصد الاقتصادية العالمية، فصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية ترقبها عن كثب وتصفها بـ«شراكة استراتيجية متكاملة».
العلاقات الاقتصادية بين الفرعون والتنين تذهب إلى مدى بعيد، فمصر صارت تحتل مكانة فريدة فى التوجه الصينى نحو أفريقيا، ومصر تتوخى تنويع استثماراتها، وهذا هو العنوان الرئيس للخطة الاستثمارية الطموح للدولة المصرية التى ما فتئت تبحث عن استثمارات شرقاً وغرباً.
اهتمام الصحيفة البريطانية النافدة إلى الأسواق العالمية لم يأت من فراغ رقمى، بل استناد إلى أرقام استثمارية صينية محققة على الأرض المصرية خلال السنوات الأربع الأخيرة التى شهدت انفتاحاً مصرياً يقوده السيسى شرقاً دون إهمال للتوجه الغربى الذى سيطر على ناصية الاقتصاد المصرى طويلاً دون توازن يحفظه من التقلبات السياسية الغربية المرتهنة بصراعاتها فى المنطقة.
الأرقام التى توفرت للصحيفة لم توفرها للأسف الصحف المصرية للشارع المصرى، لكى يقف على حالة الاقتصاد المصرى المتنامية التى تستلفت اهتمام المراجع الاقتصادية العالمية، للأسف «حديث الديون» لا يزال مسيطراً دون وعى كافٍ بما بات عليه الاقتصاد المصرى باعتباره وصفاً من النمور الشرق أوسيطة الواعدة.
الأرقام تقول: إن قيمة الصفقات التى وقعها السيسى مع الشركات الصينية الشهر الماضى 18 مليار دولار، تغطى مشاريع السكك الحديدية، والعقارات، والطاقة، ومصفاة بترول، أيضاً الاستثمارات الصينية المتراكمة فى مصر بلغت 700 مليون دولار بحلول منتصف عام 2018، والشركات الصينية لديها استثمارات تقدر بما يقرب من 6 مليارات دولار، %80 منها ضخ فى السنوات الأربع الماضية.
ووفقا لـ«فايننشال تايمز» يبلغ مجموع الاستثمارات الصينية المباشرة فى مصر 24.3 مليار دولار، فضلاً عن استثمارات بنحو 20 مليار دولار تم الإعلان عنها من قبل شركة تنمية الأراضى الصينية المدرجة فى «شانغهاى» فى العاصمة الإدارية الجديدة، ولكنها قيد التحقق، وتم الاتفاق مع شركة هندسة البناء الحكومية الصينية «CSCEC» لبناء 20 برجاً فى المدينة الجديدة، بما فى ذلك ما وصف بأنه «أطول برج فى أفريقيا»، ومن المتوقع أن تقوم البنوك الصينية بتمويل نحو %85 من التكاليف التى تبلغ 13 مليار دولار، وتوسعت الاستثمارات الصينية لتشمل بناء خطوط سكك حديدية للعاصمة الإدارية، والاستثمار فى المنطقة الصناعية بالقرب من ميناء «العين السخنة» على البحر الأحمر.
ويحفز موقع مصر وقناة السويس الاستراتيجى التعاون بين البلدين خاصة فى مبادرة الصين «بلت آند رود» وهى خطة بنية تحتية ضخمة لربط الصين بالشركاء التجاريين فى آسيا وأوروبا وأفريقيا، وبالتوازى مع التوسع الاستثمارى، هناك تدفق متزايد من السياح الصينيين القادمين إلى مصر، وزاد عددهم إلى أكثر من الضعف العام الماضى، إلى 300 ألف بدلاً من نحو 130 ألفاً فى العام الأسبق.
الأرقام تطرح سؤالاً مؤرقاً، هل هناك خشية من تمدد «التنين الصينى»، فترد سحر نصر وزيرة الاستثمارفى تصريح لـ«رويترز»: «إن مصر قبلت الاستثمارات الصينية فقط فى مشروعات ذات منفعة متبادلة، ومصر تتوخى تنويع مصادر تمويلها». وسؤال آخر مؤرق: هل مصر مستقبل فقط، والإجابة بل ومصدر أيضاً، والأرقام تقول: لا تزال الصادرات المصرية إلى الصين ضئيلة مقارنة بالواردات من الصين، لكنها آخذة فى الارتفاع نتيجة التقارب الأخير، وصدرت مصر سلعا بقيمة 408 ملايين دولار إلى الصين العام الماضى، بزيادة قدرها %60 عن العام الأسبق، ومصر تعد المصدر الثالث للبرتقال إلى الصين، ويتوقع أن تحتل الصادرات الزراعية مرتبة جيدة هذا العام، التنين الصينى يفضل مذاق البرتقال المصرى!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة