ياسر منجى يكتب: فى ذكرى نصر أكتوبر دعوة للدفاع عن هويتنا البصرية

الأحد، 07 أكتوبر 2018 12:40 م
ياسر منجى يكتب: فى ذكرى نصر أكتوبر دعوة للدفاع عن هويتنا البصرية تمثال للجندى المنتصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مع كل إطلالة عَطِرة لذكرى نصر السادس من أكتوبر، يتجدد الحديث آلياً عن دور الفنون فى استلهام هذا الحَدَث الجَلَل، وعن دور الفنانين والمبدعين، على اختلاف مجالاتهم، فى التعبير عنه واتخاذِه إطاراً للتجريب والاشتغال.

 وفى سياق كل تَجَدُّدٍ لهذا الحديث، تُستعاد الأسئلة المكررة، التى باتت وكأنها من لوازم إحياء الذكرى، فَتَنبرى أقلام الكُتّاب والصحفيين والنقاد، لتتساءَل: ماذا فعل فنانو مصر لتخليد نصر أكتوبر؟ وقَد تنبَرى بعض الأقلام والحناجر لتَعلِية سقف السؤال، لِيَصيرَ لوماً وتقريعاً – مباشراً أو مُستَتِراً – لمبدعى مصر؛ وذاك حين تتساءَل مستنكرةً: هل يكفى ما أُنتِجَ وأُنجِزَ لتخليد هذه الذكرى الغالية؟ وهل تتناسب قيمتُه مع ثِقَلِها التاريخي؟ ولماذا كَف المبدعون عن اتخاذ أكتوبر مصدراً للبحث والتجريب والاشتغال؟.

فى تقديرى أن معظم مَن يطلقون هذه الأسئلة يتناسَون – سهواً أو عمداً – عشرات الأعمال الإبداعية، التى تفتّقَت عنها قرائح مشاهير من مبدعى مصر، مِمَّن أنجَزوا فرائدَ جديرةً بالاحتفاء، عالجوا من خلالها أفكاراً بزَغَت فى أتون المعركة، واحتَفَت بملحمة النصر، ولنا فى الإشارة كفاية، فمَن يذكر البديع "حامد ندا" وعمَلَيه: "المنتصر" و"حصان طروادة"، اللذين أنجزهما عام 1973، ولم تكن المعركة قد وضعت أوزارها بعدُ؟ ومَن يذكر "عفت ناجى" ولوحتها عن "تحطيم خط بارليف"؟ ومَن يستدعى "مصر المنتصرة" لـ"عبد الرحمن النشار"؟

 وربما كان "السجينى" أسعد حظاً، إذ لا تزال منحوتته التذكارية عن العبور شاخصةً فى "بنى سويف"، تاركةً مكان الصدارة فى العاصمة للنصب التذكارى الذى صممه "سامى رافع".

 ومِن عَجَبٍ أن مَن لا يمَلّون اجترار الأسئلة المكرورة، عن تقاعُس المبدعين فى الاحتفاء بأكتوبر، يتناسَون السؤال الأجدر بالطرح على الإطلاق: لماذا لا نُحيى جهوداً قَيّمة مَنسيّة، لأفذاذٍ من مُبدعينا، رحلوا دون أن ينعموا برؤية هذه الجهود للنور؟ وماذا يمنعنا من البحث فيما تركه أولئك المبدعين، من مشاريع وأفكار وخطط، كانوا قد تقدموا بها رسمياً، ضمن مسابقاتٍ قومية، كانت تستهدف تخليد ذكرى نصر أكتوبر، فى مناسبات مختلفة، ثم لم يُكتَب لها أن ترى النور، لأسبابٍ شتى.

 
2
 
 أما الأعجب على الإطلاق، فهو أنه فى الوقت الذى يتبارى أصحاب الأقلام والحناجر لتقريع المبدعين ولومهم على التقصير المزعوم فى استلهام أكتوبر، إذا هم يُغفِلون نماذج ماثلة تحت البصر، كان مِن الأولى بهم أن ينادوا بالانتباه إليها، وتدارُك مشكلاتها؛ حفاظاً على ذاكرتنا البصرية من التشويش، وتنزيهاً لتاريخنا الوطنى، حتى لا تختلط رموزه الفنية بغيرها من رموزٍ تنتمى إلى هويات مغايرة.
 فى هذا السياق أتساءَل: هل انتبه أحدٌ مِمَّن تصَدّوا للكتابة عن أصداء أكتوبر فى الفنون البصرية، إلى أن لدينا تمثالاً تذكارياً مُكَرَّساً للاحتفاء بذكرى الجندى المصرى المجهول، يكاد يكون استنساخاً لتمثالٍ آخرَ أكثر شهرة، كان قد أقيم لتخليد مقاتلى الحرب الكورية؟!
 نعم، إن نظرةً فاحصةً للنصب التذكارى للجندى المجهول، الموجود بكورنيش السويس، سرعان ما تكشف عن مدى تماثُل فكرَتِه وتصميمِه وتكوينِه مع ما نراه فى التمثال الضخم، الموجود فى ساحة "متحف حرب المنتصر" The Victorious War Museum، المعروف كذلك باسم "متحف حرب تحرير الوطن المنتصر" Victorious Fatherland Liberation War Museum، والمُنشَأ فى مدينة "بيونجيانج"، عاصمة كوريا الشمالية، لتخليد ذكرى "الحرب الكورية"، المعروفة لدى الكوريين الشماليين باسم "حرب تحرير الوطن" Fatherland Liberation War، والتى دارت رحاها بين كوريا الشمالية وشقيقتها الجنوبية فيما بين عامَى 1950 و1953. وقد بدأ إنشاء هذا المتحف عام 1953، مع نهاية الحرب، فى الضاحية المركزية من "بيونجيانج"، لِيُنقَل إلى موقعه الحالى فى ضاحية "سوسونج" Sosong عام 1963. ويمكن القيام بزيارة افتراضية لهذا المتحف من خلال الرابط التالي: http://www.dprk360.com/360/victorious_fatherland_liberation_war_museum/
 إن مقارنة صور التمثالَين تُغنينا تماماً عن الحديث عن مدى تطابق الاثنين، فكرةً، وتصميماً، وإخراجاً، على نحوٍ تُستَبعَد معه عوامل الصدفة؛ إذ لا تكاد الفروق بينهما تتجاوز اختلاف طراز الزى العسكرى وشارات العَلَم الذى يرفعه المقاتل!
 
1
 
 ومهما كانت مُسَوّغات افتراض حُسن النيّة المؤدية إلى هذا التطابُق بين التمثالَين، المصرى والكورى، فإنه تطابقٌ لا يتناسب فى اعتقادى مع جلال الفكرة المُحتَفى بها – فكرة تكريم الجندى المصرى المجهول - ولا مع اعتبارات هويتنا البصرية المصرية، مما يستوجب ضرورة اتخاذ التدابير الرسمية اللازمة لتدارُكِه وتغييرِه.
  
 ولحُسن الحظ، فإن تدارُك مثل هذه الظاهرة لن تقتضينا جهوداً شاقة، ولن تستلزم ميزانياتٍ يصعب تدبيرُها؛ لاسِيّما وأن عدداً من أفذاذ مبدعينا – كما سَلَفَت الإشارة - قد تركوا بالفعل ما يمكن الاستعانة به فى هذا الصدد، وإذا شئتم أمثلةً فإليكم التالي: لماذا لا نُتَمِّم مشروع التمثال التذكارى، الذى كان مُعَدّاً لمدخل القناة عند بور سعيد، والذى شارك فيه ثلاثةٌ من كبار فنانى مصر، هم "جمال السجيني"، و"منصور فرج"، و"صلاح عبد الكريم"؟ لقد صنع "السجينى تمثالاً ضخماً لمصر فى زى الفلاحة، وهى تومئ إيماءة الترحيب والسلام، وفى أحضانها جندى يتقدمها – ومن حُسن الحظ أن النسخة الجبسية لمُصَغَّر التمثال لا تزال موجودة فى كلية الفنون الجميلة بالقاهرة – وصاغ "منصور فرج" ملحمة الحرب وأحداثها المتتابعة على أرض سيناء، كما صاغ قصة قناة السويس من بدايتها حتى وقت تصميم مشروع التمثال، وصمم "صلاح عبد الكريم" التصميم المعمارى الذى يجمع بين أجزاء هذه المجموعة النحتية، على هيئة مزار ضخم. فلماذا لا نبعث هذا المشروع الفريد الجامع بين إبداعات ثلاثة من كبار مبدعينا؟ أليس ذلك أولى بالاحتفاء مِن منحوتة ذات مرجعية أجنبية؟!
 لماذا لا نُتَمِّم مشاريع التماثيل التذكارية لمدن القناة الثلاث، والتى كانت تصميماتها قد وُضِعَت بالفعل بواسطة كلٍ من "السجيني"، و"صلاح عبد الكريم"، و"حسن العجاتي"، و"أحمد أمين عاصم"؟
 
3
 
 لماذا لا نُتَمِّم مشروع النصب التذكارى، الذى كان مُزمعاً إنشاؤه على الجزيرة بين فرعَى القناة بالإسماعيلية، والذى لمعت فيه تصميمات "عونى هيكل" و"صلاح عبد الكريم"، والتصميم المشترك الذى قدمه وقتها النحات "حسن صادق" والمعمار ى "عبد الله عبد العزيز"؟
 لماذا لا نعيد البحث فى التصاميم التى أبدعها، لغرض الاحتفاء بنصر أكتوبر وجنوده المجهولين كلٌّ مِن: "محيى الدين طاهر"، و"كامل جاويش"، و"صادق محمد"، و"عبد المجيد الفقى"؟
 وأخيراً أتساءَل: لماذا لا نتيح الفرص لشبابنا من النحاتين والمعماريين المشهود لهم بالموهبة والكفاءة، كى يُسهموا فى توثيق نصر أكتوبر، واستلهامه واستقراء أحداثه؟ أليس ذلك مَطلَباً وطنياً مُلِحّاً، فى وقتٍ باتت فيه أقلامٌ ومنابرُ تُشَكِّك أبناءَنا فى كل قيمة وفى كل رمز وفى كل إنجازٍ تاريخى ناصع؟
4
 
 ولإن كنا فى أكتوبر 1973 قد دافعنا عن أرضنا وكرامتنا، فما أحوجنا اليوم إلى الدفاع عن هويتنا وذاكرتنا البصرية، وإلى إحياء جهود مبدعينا، وتشجيع شبابنا الموهوب، حتى لا تختلط معالم هويتنا بغيرها من معالمٍ تنتَسِبُ إلى غيرنا، وتُعبِّر عن ظروفٍ غير ظروفنا. وما أحرانا بالاعتماد على أنفُسِنا فى هذا الشأن؛ إذ أننا لم نعدَم الإبداع حتى نلجأ إلى إبداعات غيرنا لنغزِلَ على مِنوالِها. 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة