الغموض لا يزال يسيطر على لغز اختفاء الكاتب الصحفى السعودى "جمال خاشقجى"، الذى غاب عن الأنظار قبل أيام بعد دخوله قنصلية بلاده فى إسطنبول، حيث يستغل الإعلام القطرى والتركى والقنوات الموالية لجماعة الإخوان القضية، لتوجيه أصابع الاتهام صوب المملكة العربية السعودية، وفى إطار التعمية على الحقيقة، جرت مياه كثيرة خلال الأيام الماضية فيما يتعلق باختفاء "خاشقجى"، فتارة تتسرب أنباء عن مقتله فى مقر القنصيلة السعودية بإسطنبول، وتارة أخرى تنفى "خديجة جنكيز" التى تدعى أنها خطيبته إنه لم يقتل وأنه لا يزال على قيد الحياة فى مكان غير معلوم، والواقع أن "خاشقجى" هو عبارة عن لعبة قطرية جديدة بالتعاون مع جماعة الإخوان الإرهابية وبالتنسيق مع تركيا وبغطاء إيرانى مفضوح، يسعون جميعا من خلال تلك اللعبة إلى التعمية بنشر معلومات مظللة تحيد عن الحقيقة.
يسعى مثلث الشر برعاية إيرانية إلى الضغط على المملكة العربية السعودية حاليا فى سبيل فك الحصار المفروض على قطر، والذى كانت له آثار سلبية على اقتصاد الدوحة الذاهب إلى حافة الانهيار، لذا فقد استغلت قطر قضية "خاشقجى" وتسويقه على أنه كاتب مهتم بمفاهيم مطلقة مثل الحقيقة والديمقراطية والحرية، ودائماً ما كان يعتبر نفسه صحافياً، ولم يعتبر نفسه قط مدافعاً أو ناشطاً، إذ كتب: "أنا سعودى، لكننى سعودى مختلف"، وفى ذات الإطار ادعت كل من قطر وتركيا أن "خاشقجى"، كان صحافياً، يكره الهراء، إذ كان شعار صفحته على تويتر "قل كلمتك.. وامشي"، وعللت الدولتان أنه فعل ذلك فقط لكى يغضب أولئك الذين كانوا يريدون إسكاته، ولعله يتضح من تغريداته السبب الذى دفعهم إلى ذلك الحد البائس لإسكاته على حد قوله، علما بأنه كان طوال السنة الماضية يسخر من فكرة أن السعودية تحت قيادة الأمير "محمد بن سلمان" كانت تحارب من أجل "إسلام معتدل"، ولقد ذهب إلى أن كتب فى حسابه على موقع تويتر: "السعودية التى تحارب الإسلام السياسى اليوم هى أم وأب الإسلام السياسى، والمملكة قامت على فكرة الإسلام السياسى أصلاً".
الأمر المؤكد أن "خاشقجى" كان مذموما منذ فترة لتعاطفه مع الإخوان، إذ كتب على تويتر قائلاً: "غرِّد عن الحرية.. أنت إخوان، عن الحقوق.. أنت إخوان، هكذا كان يبدو ديمقراطياً متعنتاً، إذ قال: "بالحرية فقط يمكن للإيمان أن يتغلغل إلى الروح ويسمو بالمؤمن إلى أعلى الدرجات".
ومن ثم لم يسأل أحد نفسه ذات مرة: لماذا لم يكل "خاشقجى" قط من القضية التى كانت سبباً فى التصدع الأخير للعلاقات بينه وبين الرياض، والتى تمثَّلت فى ترامب، إذ كتب خاشقجى مغردا: "ترامب بين آونة وأُخرى أنه يحمينا وأن علينا أن ندفع لتستمر هذه الحماية.. يحمينا مِن مَن؟ أو يحمى من؟ أعتقد أن أكبر خطر يواجه دول الخليج ونفطها هو رئيس مثل ترامب لا يرى فينا غير آبار نفط"، لقد غذى البعض شعورا دفينا لدى الرأى العام العربى والإسلامى يفضى إلى أن "خاشقجى" كان على حق؛ فلولا ترامب ما كان لأى ممَّا أصابه أن يقترب منه من الأساس، ففى ثلاث مناسبات فى الآونة الأخيرة، لم يأل ترامب جهداً لإضعاف المملكة العربية السعودية، ويعود ذلك ببساطة لاعتقاده أنه قادر على ذلك
الغريب والمريب فى الأمر أن صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، ادعت كشفها للسبب الحقيقى وراء ما أسمته مقتل الكاتب الصحفى السعودى، جمال خاشقجى، داخل قنصلية بلاده فى إسطنبول، فقد ذهبت الصحيفة نحو القول: إن "خاشقجى" قُتل لأنه كان يعتبر خطرًا بشكلٍ خاصّ من قِبَل القيادة السعودية؛ حيث إنه كان قريبًا من دوائرها الحاكمة لعقود من الزمان"، وأشارت فى هذا الإطار إلى أن الرجل كان المستشار الإعلامى لرئيس الاستخبارات السعودية السابق، تركى الفيصل، عندما كان الأخير سفيرًا لبلاده فى لندن وواشنطن، وتوصّلت التحقيقات الأولية التركية - تقول الصحيفة - إلى أن "خاشقجي" - الذى كان يكتب مقالات رأى فى صحيفة "واشنطن بوست" - تم قتله وتقطيع أوصاله داخل القنصلية السعودية فى إسطنبول، بحسب وكالة "رويترز".
ثم عادت نفس الصحيفة مرة أخرى لتقول إن قتل "خاشقجي" - إذا تم تأكيده، وهنا لا بد من ملاحظة أنها تعمدت عدم تأكيد مقتله حسبما زعمت فى البداية - سوف يمثل تصعيدًا صادمًا فى جهود السعودية لإسكات المعارضة، وفى هذا السياق، نقلت عن معارض سعودى مقيم فى تركيا أن ما جرى أشاع الخوف لدى المعارضين العرب الذين لجأوا إلى تركيا منذ سنوات، ورأت "واشنطن بوست" أن مقتل جمال خاشقجى، يمكن أن يفاقم الخلاف القائم بين تركيا والسعودية.
وبدورها، كشفت وسائل الإعلام السعودية العديد من خيوط حول لغز اختفاء "جمال خاشقجى"، ففى تقرير لها، ذكرت صحفة عكاظ، أن الإمارة الداعمة أصلا للإرهاب والتى تستخدم وسائل الخطف والقتل والتعذيب لإرهاب مواطنيها وراء هذ الاختفاء القسرى، وكشفت الصحيفة عن "استنفار أزلام "الحمدين" طاقاتهم الإعلامية لمحاولة إلصاق تهمة اختفاء المواطن السعودى فى تركيا، بإصدار الحكم بوفاته وفق سيناريو يفضح بشكل سافر الترتيب المسبق لمواكبة الحدث باحترافية غبية أغفلت عامل الوقت وتتابع الأحداث، ووجهت أصابع الاتهام نحو قطر، فى "مسرحية اختفاء جمال خاشقجي"، بما يؤكد أنها جريمة منظمة بعد أن سارع العديد من مذيعى قناة الجزيرة وعدد من أعضاء الإخوان الإرهابية إلى حذف تغريداتهم وإعادة صياغتها"، وفقا للصحيفة.
هنالك دلالات واضحة على التورط القطرى - بحسب الصحيفة السعودية - فى تقريرها، حيث أشارت إلى 3 دلالات على التورط القطرى بـ "الجريمة المنظمة" فى مقدمتها إيقاف ذراع الحمدين الإعلامى "الجزيرة" بثها اليومى المعتاد فاتحة المجال أمام كلمات النعى وتحليل الأحداث قبل أن يصدر أى تصريح رسمى من السلطات التركية عن اختفاء خاشقجى، ثانيا: ركض أزلام الجزيرة لمحاولة رسم سيناريو مقتل المواطن المختفى.. الأمر الذى يؤكد وقوف تنظيم مرتبك وراء نشر مثل هذه الشائعات، أما الدلالة الثالثة التى أكدتها الصحيفة هى أن التحرك القطرى المثير للجدل عبر وسائل إعلامها والذوبان الإلكترونى القطرى يؤكد من خلال تعاطيه مع القضية "تورط قطر فى غيابه".
وفى تقرير منفصل للصحيفة نفسها، قالت "عكاظ": "يبدو أن لخطيبته التى تخفى اسمها عن وكالات الأنباء وتكتفى فقط بـ "خديجة" صلات قديمة مع النظام القطرى، وهى فى الواقعة عميلة استخبارات تركية معروفة بنشاطها المعادى للسعودية، إذ انتشرت صورة تجمعها بصحفى قطرى، وقالت إن زعم خطيبة خاشقجى المحتملة عن فقدانه، تبعته حملة إعلامية بدت منظمة وغير بريئة من ماكينة الإعلام القطرية ووسائل إعلام إخوانية، تشعل مزيدا من التساؤلات عن توقيت مزاعم الخطيبة بالتزامن مع حملة مسعورة تجاه المملكة، وإثر نفى أسرة خاشقجى معرفتها بالباحثة التركية، توقفت الأخيرة عن التغريد عبر "تويتر"، فيما حاول عدد من أصدقائها الصحفيين، خاصة من القطريين والعاملين فى قناة "الجزيرة"، الدفاع عنها وترويج روايتها عبر منصات إعلامية معادية للسعودية، وحسابات شخصية مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين.
ووسط الغموض الذى يكتنف مصير الكاتب والصحفى السعودى الذى اختفى ظهر الثلاثاء قبل الماضى فى مدينة إسطنبول التركية، والحرب الشعواء القطرية، أكد المستشار القانونى، معتصم خاشقجى، الذى رأس اجتماعا لعائلة الكاتب الصحفى السعودى، أن العائلة تجرى تنسيقاً مع الحكومة السعودية، وقال فى تصريحات لإحدى القنوات العربية: "نحن نثق فى الحكومة والإجراءات التى تتخذها، وكل الجهود التى يتم اتخاذها فى قضية جمال خاشقجى يتم التنسيق فيها مع الدولة والسفارة فى أنقرة".
لتبقى الضجة الإعلامية حول اختفاء الصحفى السعودى جمال خاشقجى، ورائها جماعة الإخوان، ويبقى هدفها الأساسى هو إزعاج السعودية فى الوسط الدولى، ربما يعتقد الإخوان حسب خيالهم المريض أن الدفع سريعا بهذه الوقيعة أن أمريكا ستجهز أسطولها للذهاب إلى السعودية أو مصر.
يقينا السعودية لم تتورط من قريب أو بعيد - من وجهة نظرى - فى اختفاء أو مقتل "خاشقجى" والدليل أن الأمير خالد بن سلمان ابن العاهل السعودى وشقيق ولى العهد قال فى تصريحات له هذا الأسبوع، أن الصحفى المفقود، جمال خاشقجى كان صديقه، وأن انتقاداته لقيادة المملكة كانت صادقة، وكان "خاشقجى" زار خلال الأشهر الأخيرة سفارة بلاده فى واشنطن، والتقى السفير السعودى هناك خالد بن سلمان، ولم تتكشف بعد طبيعة تلك الزيارات وما دار فيها، إلا أنها أكدت أن "خاشقجى" سبق له أن امتدح العديد من القرارات التى أصدرها ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، ومنها السماح للمرأة بقيادة السيارة، إذن نحن نستبعد أى ترصد من جانب السلطات السعودية، خاصة فى ظل تصريحات ولى العهد السعودى فى هذا الصدد والتى تقول: إن خاشقجى ليس المطلوب الذى ذكرته "واس" مطلقًا، وأكد الأمير محمد بن سلمان، أن "جمال خاشقجى" ليس داخل مبنى القنصلية السعودية فى تركيا، وأن خاشقجى مواطن سعودى، والسعودية حريصة جدًّا على معرفة الحقيقة وراء اختفائه.
لا يزال الوقت مبكرا لتوقع أية نتائج سلبية أو إيجابية حول مصير "خاشقجى"، لكنَ اختفاءه أطلق سيلا من الدعاية السلبية المتعمدة حول المملكة السعودية وولى العهد الأمير محمد بن سلمان، وهو ما كان هذا متوقعاً تماماً، فى الوقت الذى يطمح فيه ولى العهد السعودى إلى صورةٍ أكثر إيجابية فى الإعلام الدولى، ونادراً ما خابت توقعاته، وانظر هنا مثلاً إلى المقال الذى كتبه الصحفى الأمريكى "توماس فريدمان" فى صحيفة The New York Times فى نوفمبر 2017 حول الساعات الأربع التى قضاها مع ولى العهد، إذ كتب فريدمان: "التقينا ليلاً فى قصر عائلته المزخرف ذى الحوائط اللبنية فى العوجا، شمال الرياض"، ويصف المملكة بأنها تمر بالنسخة الخاصة بها من الربيع العربى الذى "لن يغير فقط شخصية السعودية، بل سيغير كذلك صورة ومعنى الإسلام حول العالم، وحده الأحمق قد يتنبأ بنجاحه، وبالتأكيد سيحظى بتشجيع الجميع إلا الحمقى"، وهو ما يؤكد إنه ربما تحمل الأيام القادمة على جناح سخونة الأحداث مزيدا من المفارقات الغريبة التى تنال من المملكة لحساب قوى الشر المحيطة بها.. نتمنى للسعودية وشعبها وقيادتها السلامة والنجاة من تلك القوى التى تحيك لها المؤامرات تلو المؤامرات "فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة