وتنص المادة 53 من دستور 2014، على أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر.
نعم وبنص الدستور المعتبر على أن التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كل أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.
إذا كان الدستور المصرى سباقًا إلى عدم التمييز، ونص فى مادته العصرية على عدم التمييز، ونص على إنشاء مفوضية مستقلة للقضاء على كل أشكال التمييز، لماذا إذن تأخرنا وسبقتنا تونس وصادق البرلمان التونسى ليل الثلاثاء على أول قانون للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصرى، وقرر عقوبات للإدلاء بكلام عنصرى، تتراوح بين شهر وسنة من السجن وغرامة مالية تصل إلى ألف دينار «353 دولارًا أمريكيًا».
اللافت أن القانون التونسى الذى يعد نقلة فى تاريخ الدولة التونسية «يشبهونه بقانون تحرير العبيد الأمريكى» يعاقب بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام، وبغرامة مالية من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار «1060 دولارًا» كل من يحرض على العنف والكراهية والتفرقة والتمييز العنصرى، وكل من ينشر أفكارًا قائمة على التمييز العنصرى أو كذلك «تكوين مجموعة أو تنظيم يؤيد بصفة واضحة ومتكررة التمييز العنصرى أو الانتماء إليه أو المشاركة فيه».
لماذا تأخرنا، لماذا تقاعسنا، لماذا تجنب البرلمان المصرى النظر فى أمر القانون والمفوضية حتى ساعته وتاريخه، ونحن فى أحوج ما نكون إلى صدور هذا القانون فى مواجهة طوفان من الكراهية يكاد يغرقنا، والتمييز على أشده ينكد عيشتنا، والطائفية تتسلل كالوباء إلى قرى الصعيد تكاد تفتن الوطن.
لماذا تأخرنا، واللغة السائدة على المنابر المسجدية والمجتمعية والثقافية عنصرية بامتياز، والتحريض على العنف والكراهية والتفرقة والتمييز جملة أمراض شاعت فى حزمة وبائية تضرب أساسات الوطن، وتخلخل ثوابته، وتمزق نسيجه الاجتماعى شر ممزق، ونشر الأفكار العنصرية على أشده فى الصحف والمواقع والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعى، والخلايا العنصرية والإرهابية متخثرة فى جنب الوطن.
فى غيبة القانون طاح المكفراتية فى المجتمع تكفيرا، وركب العنصريون موجة الكراهية من أعلاها وأشاعوا مناخا سالبا، وجعلوا من أعزة مصر أذلة تحت وطأة دعاياتهم العنصرية التى أغرقت وجه الوطن بسناج صدورهم وما ينفثون، فصار المسيحى غريبا فى وطنه، وصارت المرأة عورة يتدارون منها، والمعاق يلقى عنتًا فى الطرقات، والصعيدى كما المنوفى عرضة لسخرياتهم، وهكذا صار التمييز أسلوب حياة، وصارت الوظائف عرضة لأقسى أنواع التمييز المجتمعى تحت دعاوى فاسدة تتحدث بالأصل الاجتماعى علانية دون خجل مجتمعى أو خشية من قانون صارم.
الدستور المصرى لم يغفل الوباء، وواجه طوفان الكراهية بمادة مفصلة، وفى مواجهة وباء الكراهية لابد وأن يسارع البرلمان المصرى فى وضع المادة 53 موضعها وتفصيلها فى قانون عصرى يكافح العنصرية، ويؤسس لمفوضية التمييز عاجلًا.
قانون عدم التمييز ليس من قبيل الرفاهية فى مجتمع يعانى فائض كراهية وعنفًا وتمييزًا، ومهما كانت القرارات الرئاسية الأخيرة منصفة لبعض الفئات التى جرى تهميشها طويلًا، ولكن التجسيد الحى للمساواة بالقانون، وتجسيد الدستور على الأرض قانونًا يفصل بين الناس، ومفوضية تحرث الأرض المطبلة من نشع العنصرية، تعرضها لشمس المساواة، فتتسلل أشعة العدالة إلى جسد الوطن العليل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة