يواجه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون موجة جديدة من الانتقادات الحادة بعد ظهوره فى صورة مع شابين قام أحدهما بحركة غير لائقة، خلال زيارتة لجزيرة سانت مارتن فى البحر الكاريبى، فى الوقت الذى يتعرض "ماكرون" لمأزق كبير متمثلا فى التراجع المستمر لشعبيته داخل الأوساط الفرنسية، وذلك بسبب الأزمات المتوالية، التى استغلتها المعارضة لتوجيه أصابع الاتهام إلى الرئيس، والتشكيك فى شفافيته ومصداقيته وقدرته على حماية مؤسسات الدولة، مما يشكل تحديا خطيرا لخطط الرئيس الإصلاحية خلال السنوات المتبقية من ولايته، والتى فى حال عدم تداركه لهذه الأزمات وعدم نجاحه فى احتوائها، ستتحول إلى "سم بطئ" قد يعانى منه طوال مدة ولايته وقد تؤثر سلبا على فرص ترشحه لولاية جديدة فى عام 2022.
تراجع نسبة التأييد للرئيس الفرنسى
فمنذ أيام أظهر آخر استطلاع للرأى أجرته مؤسسة "ايفوب" ونشرته جريدة "لوجورنال دو ديمانش" الفرنسية، الأحد الماضى تراجع نسبة التأييد للرئيس ماكرون لتصل إلى 29% بتراجع 5% عن الشهر الماضى و10% عن الشهر الذى يسبقه.
كما كشفت استطلاعات آخرى للرأى أجريت خلال الشهر الجارى التراجع المستمر فى شعبية الرئيس الفرنسى، كان أبرزها استطلاع معهد "أودوكسا" الذى أوضح أن 7 من كل 10 فرنسيين بات لديهم حكم سلبى على الرئيس ماكرون.
صورة ماكرون مع الشابين
الرئيس الفرنسى يتعرض لانتقادات حادة
وتعرض مؤخرا ماكرون لموجة جديدة من الانتقادات الحادة، على مواقع التواصل الاجتماعى، بعد ظهوره فى صورة مع شابين قام أحدهما بإيماءات فاضحة وغير أخلاقية.
ويظهر، على الصورة، ماكرون مع شابين، أحدهما نصف عار يظهر إصبعه الأوسط للكاميرا، فى إيماءة فاضحة، ويبدو أن ماكرون لم ينتبه لهذا التصرف، على اعتبار أنه كان مركزا على الكاميرا، والتقطت هذه الصورة خلال رحلتة إلى جزيرة سانت مارتن فى البحر الكاريبى، التى عانت من إعصار إيرما العام الماضى.
ووفقا لصحيفة "لوموند" الفرنسية، أن الصورة أثارت جدلا كبيرا فى البلاد، ودفعت عددا من السياسيين إلى انتقاد ماكرون، واصفين ذلك بالخطأ بـ"غير المقبول".
ماكرون خلال زيارته لجزيرة سان مارتن فى البحر الكاريبى
ردود فعل صاخبة فى مواقع التواصل الاجتماعى
من جهتها عبّرت مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف فى البلاد، عن غضبها من الصورة، إذ قالت عبر حسابها فى تويتر: "لم نعد نجد الكلمات للتعبير عن سخطنا.. فرنسا لا تستحق مثل هذه الأشياء.. هذا الخطأ لا يغتفر".
كما تذكرت المستخدمة فاليريا بويار، فى تغريدة لها على توتير، الفتى الذى أحرج ماكرون خلال احتفال رسمى فى الصيف الماضى شمال فرنسا، عندما قال له: "كيف الحال يا مانو؟" فغضب الرئيس الفرنسى ورد عليه: "لا يمكنك أن تتصرف على هذا النحو، لست مانو ويجب أن تقول لى، السيد الرئيس"، مستغربة كيف سمح ماكرون بعد ذلك، للشاب الأسمر بهذا التصرف غير اللبق فى الصورة.
كما كتب مستخدم آخر: "تقريبا لم يبق أى شىء. فقط أشلاء الكرامة، التى فقدت فى ليلة من الابتذال. لقد أصبحت بدلة رئيس الدولة واسعة جدا"، وقال آخر: "لقد وصلنا إلى القاع.. الآن اقتنعت أن ماكرون لا يستطيع شغل منصبه".
ماكرون يرد على منتقدى الصورة
وردّ الرئيس الفرنسى على منتقدى الصورة قائلا: "بعد هذه الصورة، قام الشابان بحمل طفلة من ذوى الاحتياجات الخاصة لتقبيلى"، مضيفا: "احترمتهما وقدّرتهما.. هذه هى الجمهورية"، وتابع: "الشاب الأول خرج قبل أيام من السجن ونجح يوم السبت فى إيجاد وظيفة، أما الثانى، الذى قام بذلك التصرف، فيتابع دراسته حاليا".
كما شدّد ماكرون على أن خطاب الكراهية والحقد لن يفيد فى شىء، مشيرا إلى أنه يجب التوقف عن احتقار شاب معين بسبب لونه أو تصرف قام به.
الحارس الشخصى لماكرون
أزمة الحارس الشخصى للرئيس أحد أسباب تدهور شعبية ماكرون
وفى ضوء ذلك.. نتسأل ماهى أسباب تدهور شعبية الرئيس ماكرون؟ وفقا لرأى المراقبين، تتعدد الأسباب التى أدت إلى هذا التدهور الملحوظ فى شعبية الرئيس الفرنسى، والتى أفقدته أكثر من عشرين نقطة منذ العام الماضى، وأولى هذه الأسباب أزمة الحارس الشخصى "ألكسندر بينالا" والذى اتهم فى يوليو الماضى بارتكاب أعمال عنف ضد المتظاهرين أثناء حضوره مظاهرة عيد العمال بباريس، وانتحال وظيفة ضابط شرطة واستخدام بطاقات مخصصة للسلطات العامة.
الأزمة التى حظيت باهتمام الرأى العام فى فرنسا ونجحت المعارضة فى استغلالها للقضاء على الصورة المثالية للرئيس الفرنسى، حيث أفقدته شريحة كبيرة من مؤيديه.
استقالة مفاجئة لوزير البيئة الفرنسى
وبعد شهر من أزمة "بينالا"، جاءت الاستقالة المفاجئة لوزير البيئة الفرنسى "نيكولا هولو" لتضع الرئيس ماكرون من جديد فى مأزق صعب، حيث أعلن هولو استقالته المفاجئة من منصبه فى 28 أغسطس الماضى احتجاجا على سياسات الحكومة، حيث أن "هولو" من أكثر الوزراء الفرنسيين الذين يحظون بشعبية واسعة لدى الفرنسيين وزادت شعبيته أكثر بعد قرار الاستقالة بنسبة 12% لتصبح 53% وذلك وفقا لاستطلاع الرأى الذى أجراه معهد "ايبسوس" فى السابع والثامن من سبتمبر الجارى، أى بعد قرار الاستقالة بعشرة أيام.
وبعد قرار الاستقالة أجرى ماكرون تعديلا حكوميا أوائل سبتمبر الجارى، حيث عين رئيس الجمعية الفرنسية السابق فرانسو دو روجى كوزير جديد للبيئة بدلا من هولو، وروكسانا ماراسينو وزيرة للرياضة بدلا من الرياضية السابقة لورا فليسيل التى أعلنت قبل ساعات قليلة فقط من التعديل الحكومى مغادرتها لحكومة إدوار فيليب "لأسباب شخصية".
جيرار كولومب
إعلان وزير الداخلية اعتزامه الاستقالة يربك ماكرون
ثم جاء إعلان وزير الداخلية جيرار كولومب الأسبوع الماضى أنه سيستقيل من منصبه بعد الانتخابات الأوروبية عام 2019 للترشح إلى رئاسة بلدية ليون، ليضيف مزيدا من القلق والإرباك للرئيس ماكرون، حيث أن كولومب من أكثر الوزراء قربا من الرئيس الفرنسى هو ما أكده فى مقابلته مع مجلة "لكبريس" عندما أشار إلى أن علاقته بماكرون تشبه علاقة الأب بابنه، وبالتالى فإن قرار مغادرته قد ساهم فى تعقيد المشهد أمام الرئيس الفرنسى.
من ناحية آخرى فإن تباطؤ النمو الاقتصادى واستمرار المعدلات المرتفعة للبطالة، على الرغم من السياسات الإصلاحية التى يتبناها ماكرون منذ توليه الرئاسة، قد ساهم بشكل رئيس فى تراجع شعبية الرئيس. فقد بلغت نسبة النمو الاقتصادى الفرنسى 1.7% بعدما كانت مقررة 1.9% بينما لاتزال نسبة البطالة 9%
باريس تعلن أنها ستخفض العبء الضريبى على الأسر والشركات
ورغم إعلان باريس أنها ستخفض العبء الضريبى على الأسر والشركات بنحو 25 مليار يورو فى العام المقبل إلا أن الكثيرين داخل الأوساط الفرنسية يواصلون وصف ماكرون بأنه رئيس الأغنياء، حيث يرون أن معظم سياساته تصب فى مصلحة الأغنياء والطبقات العليا والتى كان من بينها قراره بخفض الضرائب على الفئات الغنية والشركات فى العام الأول من ولايته الرئاسية بينما قام بخفض فوائد الإسكان ورفع ضرائب الضمان الاجتماعى التى أضرت بشكل مباشر بأصحاب المعاشات التقاعدية.
ماكرون يحاول التخلص من صورة "رئيس الأغنياء"
وفى محاولة لاحتواء هذا الاستياء الشعبى والتخلص من صورة "رئيس الأثرياء" التى ألصقت به، أعلن ماكرون فى بداية الشهر الجارى عن خطته لمكافحة الفقر والتى قُدّرت تكلفتها بـ8 مليارات يورو فى أربع سنوات، ومن المقرر أن تدخل حيّز التنفيذ فى الأول من يناير 2019.
ورغم محاولات ماكرون استعادة ثقة المواطنين وكسب تعاطفهم من خلال خفض الضرائب وخطة الفقر، غير أن معظم المراقبين يجدون أن المشهد يزداد تعقيدا بالنسبة للرئيس الفرنسى خاصة وأن الكثيرين ينتقدونه، ويقولون أنه منذ توليه الرئاسة أصبح المحور الرئيس لأى قرار أو خطة، ويرجع البعض ذلك إلى غياب الخبرة السياسية فى فريق العمل المحيط به وحداثة الوزراء والنواب الموالين له فى المجال السياسى، وهو ما جعله يحتل موقع المرجع الأول والوحيد فى كل صغيرة وكبيرة من قضايا البلاد.
غير أن هذا التفرد لم يساعد فى جعل الرئيس الفرنسى قريباً من مواطنيه، بل العكس لأنه ولّد انطباعاً متزايداً بأنه غير مهتم بهموم الفرنسيين ومشاكلهم وهو ما ساهم فى تفاقم حالة الاستياء الشعبى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة