بين ليلة وضحاها أصبح المواطن صلاح الموجى الذى انقض على إرهابى كنيسة حلوان، بطلا قوميا يتهافت الجميع على استضافته ويتصارع الجميع على الظفر بكلمة منه، ثم بين ليلة وضحاها أيضا أصبح هذا البطل «سوابق» وتحول من بطل مغوار إلى محط للاحتقار، وفى الحقيقة فإن العيب لم يكن أبدا فى المواطن الصالح «صلاح الموجى» بل العيب كل العيب فى هذا المجتمع الذى يفتقد البوصلة، وهذا البلد الذى فقد عقله فى ظروف غامضة، فلم يسأل أحد نفسه قبل تشويه هذا الرجل الصالح: ما الذى سيعود على المجتمع من تشويه شجاعة مصرية شربت مثالا للفداء والبطولة؟ وما الذى سيكسبه الوطن من وضع رجل شريف فى سجن الإدانة لمجرد أنه دفعته شهامته إلى الانقضاض على إرهابى مسلح، وهو أعزل من أجل القضاء عليه دون أن يفكر فى عاقبة أفعاله التى كان من الممكن أن تكلفه حياته ذاتها؟
مرة أخرى تعمل ماكينات التهويل كما تعمل ماكينات التشويه، وكأننا نستخسر فى أنفسنا أن يكون لدينا شىء جميل، مرة نشوه دون حق أطفالا يمارسون رياضة كمال الأجسام لأنهم فقراء ولا يجدون أموالا ليشتروا ملابس رياضية مستورة فنكيل لهم الإفيهات ونحيطهم بالسخرية، كما لو كانوا حرامية أو نصابين أو هاتكى أعراض، ومرة نرفع شابا إلى أعلى مراتب النجومية والوطنية دون حق أيضا لا لشىء إلا لأنه بكى حينما دخل مرمى منتخب مصر لكرة القدم هدف، ومرة نشوه بطلا شعبيا دون منطق بعدما انقض على إرهابى بكل ما أوتى من قوة وعزيمة ليمنعه من مواصلة إطلاق النار على الشرطة أو المدنيين لا لشىء إلا لحب تعكير المياه وإحباط الهمم وتسفيه البطولة.
تكلم صلاح الموجى مدافعا عن نفسه، وأثبت بما لا يدع للشك مكانا أنه ليس «سوابق» ولا يحزنون، وأجبره الرأى العام المريض على استخراج صحيفة الحالة الجنائية الخالية من أى سابقة ليعرضها على من شوهوا سمعته، مؤكدا أن كل ما هنالك أنه تشاجر منذ سنوات بعيدة مع جار له، ثم تصالح وتشاجر مرة أخرى مع آخر وبرأته المحكمة، لكن دعك من هذا الدفاع، سأفترض معك أن صلاح هذا «سوابق» فعلا، وأنه مسجل خطر فعلا، فما الذى سينقص من بطولته إذا كان كذلك: ثم أليست الأعمال بالخواتيم؟ وأليس الأشقياء بشرا أيضا؟ وعلى افتراض إنه شقى فعلا: أليس من الواجب علينا أن نشجع المجرمين على فعل الخير؟ أم المطلوب من الشقى أن يظل شقيا مجرما طوال العمر؟ ثم هل عرفنا لماذا وصف الله تعالى القرية الظالمة فى سورة النساء: بأنها «الظالم أهلها»؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة