تقول مقدمة كتاب "الربيع الفائت.. فى محنة الأوطان العربية أصولا وفصولا" للدكتور أحمد بيضون، والصادر عن المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات، إنه يمت إلى السيرة بوشائج متينة، والسيرة المعنية سيرة الموضوع، الربيع العربى وسيرة المؤلف معا، فإن يكن تناول الموضوع قد جاء متفرقا على مراحل متباينة لتشكله وتحوله وموزعا بين زوايا مختلفة له، فضلا عن الاختلاف بين أساليب للتناول، فإن ذلك لا يحول دون تمكن القارئ من تحصيل ملامح تقبل التكامل فى صورة ومسار لموضوع البحث ذاك أو – فى الأقل – فى صور ومسارات يماشى ترددها بين التشعب والتضافر ما عرفناه للموضوع نفسه من كثرة ووحدة.
ويقول الكتاب فى الفصل الأول "فى المطالع والأصول: حركات التغيير العربية من إرث السلطانية المُحدثة إلى التشييد المؤسسى للديمقراطية" ندرج بعض الأنظمة العربية التى سقطت أو تبدو آيلة للسقوط فى خانة الإرثية، وبعضها الآخر فى خانة السلطانية، لا ريب، مثلًا، فى أن نظامين من هذه الأنظمة هما نظام معمّر القذافى فى ليبيا، ونظام صدّام حسين فى العراق، كانت أوصافهما، خصوصًا فى المرحلة الأخيرة من عمر كلّ منهما، توافق، إلى حدّ بعيد جدًّا، تصوّر السلطانية المحدثة. هذا فيما بقى نظاما كلّ من حسنى مبارك فى مصر وبشّار الأسد فى سورية أقرب إلى الأنموذج الإرثى المحدث". فمبارك لم يتمكّن من إفراغ مصر من السياسة ومن الحياة المدنية الحرّة، بما فيها الإعلام المستقل، بالقدر الذى نجح القذافى فى تحقيقه.
أما الفصل الثانى فيناقش معالمُ للهاوية، يبحث المؤلف فى تاريخٍ للطائفية، وفى تشكل الطوائف وحداتٍ سياسية، وفى الهوية والمذهب الدينى والمواطنة، فيقول إن الطائفية طائفيات، لا يسعها أن تجد موردها الراهن فى انقلاب ما لموازين القوة الاجتماعية اللسياسية لا بين مكوناتٍ كانت أو أصبحت متقاربة الأقدار.
ويتساءل بيضون فى الفصل الثالث "هل تسقط هذه الثورة؟ ويقصد ما يحدث فى سوريا، يرى أن التطوّر، فى جانب الثورة، "نحو مواجهة العنف بالعنف كان ينتهى فى الواقع، لا إلى حماية الحركة الشعبية بتنوّع قواها واتساع قواعدها الاجتماعية، بل إلى الدفع بها نحو الهوامش والحلول المتدرّج محلّهافى الفصل الرابع، الحلول بما هى مشكلات، يثير بيضون مسألة مداواة الأوطان بتفكيكها، فيقول: "حيال هذه المسيرة المتنوّعة الفصول نحو التفكك فى هذا العدد الكبير من الأوطان، وما يتخللها من عنف بلغ فى بعض مواطنه درجات من الهمجية كانت عصية على التخيل، يلحّ على الناظرين فى شؤون هذه الدول ومجتمعاتها، من المثقفين وغيرهم، سؤال ينطوى على استعجال فائق وعلى طاقة ضغط هائلة على النفوس والعقول: ما القول فى جماعاتٍ قدّمت شواهد ضخمة على افتقارها إلى الأهلية أو إلى الرغبة فى البقاء وحدة سياسية من الصنف المسمّى دولةً أو وطنًا؟" وفى مسار هذا التفكك، يرى أن اتّخاذ الوحدة الطبيعية الصغرى أو الوحدة العصبية قاعدةً لتفكيك الأوطان القائمة، باسم إرساء السلم الأهلى لا تختلف حظوظه فى إدراك الغاية المرجوّة منه عن اتّخاذ الوحدة الطبيعية الكبرى قاعدة لدمج الأوطان القائمة باسم القوّة القومية. كما يتناول فى الفصل نفسه مسألة العلمانية، فيرى أن العلمانيين العرب يشعرون بالضعف فى قواعد موقفهم، فيوطّنون أنفسهم فى كلّ مكان تقريبًا "على الغضّ شيئًا ما من صراحة مطالبهم ذات الصفة العلمانية المسمّاة باسمها ويرتدّون إلى مواقع ينعتونها بالمدنية".
فى الفصل الخامس، بلايا محيطة، يلمّ المؤلف أوراقًا كتبها فى أوقات متفرقة، أولها بعنوان "عالم ضعيف"، يتناول فيها ضعف العالم العربى المشرذم بين ثورات وحروب، وتحوله كرة فى ملعب إقليمى كبير، وثانيها بعنوان "مهديان لعالم واحد"، يعالج فيه مسألة المهدى واستخدامه مصطلحًا سياسيًا، فيقول إن صورةُ المهدى طغت "على معظم من عداه من الأئمّة آبائه وكثُر استعجالُ فرجه على الألسنة وعلى جدران المُدُن والقرى وانتظم الاحتفالُ بذكرى ولادته وأصبح ظهورُه منتظرًا بين الحين والحين.
فى الفصل السادس، مشكل المعرفة فى مشكل الحل، يتناول بيضون مسألة الاستبداد بالمعرفة، فيقول إن الباحثين كانوا موضع متابعة مركّزة من الأجهزة المكلفة السهر على نفاذ المعايير الرسمية فى إنتاج المعرفة بالمجتمع وبالنظام السياسى الاجتماعى "فيظلّون عرضةً لما هو أشدّ ممّا يتعرّض له تلامذتهم.
فى الفصل السابع، إشارات وتنبيهات، يطرح بيضون السؤال الآتي: الدين فى المجتمع أم العكس؟.. أحمد بيضون باحث لبنانى، عمل أستاذا للعلوم الاجتماعية فى لجامعة اللبنانية، وأستاذا زائرا فى جامعات فرنسية عدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة