فى ظهيرة 25 يناير 2011م، توقف التاريخ ليترقب ويسجل مشهدًا من أعظم ما شهدته مصر على مدار عمرها الطويل، حيث انتفض المصريون ليمهدوا الطريق ويشيدوا بأجسادهم جسرًا كى تعبر الحرية إلى مصرنا الحبيبة، ففى لحظة واحدة اندفعت أمواج البشر فى تناغم حركى بديع، فى اتجاه واحد، هو ميدان التحرير «أيقونة الثورة المصرية»، وتعلو صيحات الجموع تنادى بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، حيث لم أستطع وأنا وسط الحشود أن أوقف نزيف الدموع، التى انهمرت من عينى كالسيل، فرحًا باليوم الذى داعب أحلامى كثيرًا لتتحول مصر بتضحيات أبنائها إلى عروس فى ليلة عرسها فى نهاية الـ18 يومًا الأولى للثورة.
عندما قامت ثورة 25 يناير، شيدت الآمال وشردت الأحلام فى استعادة مصر عظمتها، فاصطدمت بالمتآمرين والمتأسلمين فهتكوا عرض الثورة، ثم ذبحوا الوطن بسلاح التطرف والنفاق والكذب فى عهد مرسى، الذى لم يكتفِ وجماعته باغتيال أحلام الأنقياء من الثوار والبسطاء من الشعب إنما استباحوا حرمة مصر كلها فأرادوا بيع عرضها إلى أراذل البشر، لتقاوم مصر البذاءات والطعنات، ليس فقط من الغرباء، إنما أيضًا من بعض أبنائها الذين خانوها، لتسقط فى بئر عميقة وتدخل الإنعاش وتكاد أن تموت، لولا أن جاءتها الصدمات الكهربائية فى الثلاثين من يونيو 2013م ليهبها الله عز وجل الحياة من جديد، وهى على فراش الموت ليتجدد الأمل فى أن تتعافى.
مصر الآن فى مرحلة النقاهة، تحاول أن تتماسك وتدفع ما ألَمّ بها من طعنات فى لحظات التيه، التى مرت بها خلال رحلتها فى محاولة استعادة شبابها ورونقها القديم ليتجدد الأمل لدى أبنائها المخلصين، بعد أن مرت مرحلة حكم الإخوان البغضاء، ليس فقط فى أن تتنفس إنما لتركض مسرعة تجاه التقدم والرقى، فتطير إلى الآفاق، فُتعد برامج تأهيلها وإعدادها لسباق العدو نحو المستقبل، ليبقى لزامًا علينا أن نواجه من يحاول أن يفرقنا، فمن شارك فى 25 يناير ولم يشارك فى 30 يونيو، نعت الأولى بالثورة والأخيرة بالانقلاب، أما من شارك فى 30 يونيو ولم يشارك فى 25 يناير فدافع عن وصف الأولى بالثورة وتشنج فى وصف يناير بالمؤامرة، أما من شارك فى الثورتين وآمن بهما فستجده واسع الأفق فى تقبل مناقشة أخطاء كل منهما، فلا تغيير بلا ضرر، ولا ثورة بلا أخطاء، أو حتى مؤامرات تحاك من خبثاء حولها من محترفى الصيد فى الماء العكر، لكن الأزمة الحقيقية فى تحجر العقول.
لا يمكن أن نجد إجماعًا كاملًا من شعب على شخوص قادته وحقب تاريخه المتتابعة، فمن الناس والمؤرخين من يرى أحمد عرابى رمزًا لحب الوطن حتى الفناء، ومنهم من يحمله مسؤولية الاحتلال البريطانى لمصر، ومنهم من يبجل مصطفى كامل كزعيم وطنى، ومنهم من يصفه بالنصاب المحترف، ومنهم من ينظر إلى سعد زغلول كمفجر لثورة 1919م، ومنهم من يراه مجرد مدمن للقمار ومتسلق، ومن المعاصرين من يرى 23 يوليو ثورة، ومنهم من ينعتها بالانقلاب العسكرى، كذلك ثورتا 25 يناير و30 يونيو لم تنجوا من الاختلاف حولهما، كيف لا وهما فى النهاية فعل بشرى لا يمكن أن يخلو من النواقص، فمن يرى 25 يناير مؤامرة بحتة لم يحاول أن يتلمس كبد الحقيقة بعيدًا عما يدور فى فلك سمعة الثورة من خزعبلات لا منطق لها، فإذا ما ثار شعب فاض به الكيل من الاستبداد وسيطرة قلة على خيرات مصرنا تاركين الفتات للسواد الأعظم من شعب ناله فقر مدقع، ومرض عضال وجهل خلفه حكم ديكتاتورى يسيطر من خلاله على البسطاء، فكيف يتحول الإعلان عن أوجاعه والموت من أجلها إلى مؤامرة؟!
ففى الذكرى السابعة لثورة 25 يناير، ما زال قلبى وعقلى ينتميان إليها، لكن حبى لهذه الثورة المجيدة لا يمكن أن يفوق حبى لمصر، ولا يمكن أن يعمينى عن أخطائها، ولا حتى عن المؤامرات التى حيكت على أطرافها، فأنا أحبها ولا أعبدها كالأصنام من دون الله، فعلى قاعدة وطنية بحتة، وأخذًا بتلابيب المنطق، سأتناول المرحلة ما بين ثورتى 25 يناير و30 يونيو بكل أحداثها وأطرافها، اجتهادًا وإسهامًا فى محاولة متواضعة لنرى الصورة المشوشة بشكل أكثر وضوحًا ودقة.
فبعد سبع سنوات من قيام ثورة يناير، ما زال البعض ينشغل بشكل كبير فى معارك كون 25 يناير، ثورة أم مؤامرة، ففى اعتقادى أن هذا قد صار جدلًا عقيمًا، لا يسمن ولا يغنى من جوع، فمصر ماضية ولن يستطيع أحد بعون الله وحوله أن يعرقل طموحاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من أن تتحقق، حتى نستطيع مواجهة تحديات كثيرة، فمصر تخوض حرب بقاء للحفاظ على تماسك كيان الدولة المصرية فى فترة حالكة السواد فى عمر أمتنا العربية، فالوطن العربى الآن يتمزق لدويلات، تنفيذًا لمشروع الشرق الأوسط الجديد الأمريكى، لتصبح إسرائيل الدولة الصغيرة قوة كبرى، ودولة عظمى فى محيطها، بعد تقسيم الأرض وتدمير الجيوش العربية، التى لم يتبقّ منها سوى الجيش المصرى العظيم، الصامد رغم كل التحديات غير المسبوقة، التى تنهش فى عرض الأمة العربية.
ففى ظل هذا الوضع الخطير، لن أتناول ثورة 25 يناير من زاوية رجمها أو حتى مغازلتها، إنما تحليلها بهدوء، وبعيدًا عن أى تعصب فكرى أرعن، فالثورة هى الخروج عن وضع راهن وانتفاضة الشعب، بسبب الغضب أو التطلع إلى الأفضل، بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه ضد نظام حكم فاسد ومستبد، أو حتى خائن وتابع، أو محتل معتد، وذلك لإحداث تغيير جذرى فى شتى مناحى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يحقق فى النهاية الاستقلال الوطنى، إذا كانت الثورة على نظام حكم محتل أو تابع لاحتلال عسكرى أو سياسى أو أيديولوجى، أو طموحات الوصول لنظام سياسى نزيه وعادل يحمى الحقوق والحريات ويسعى لنهضة شاملة للمجتمع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة