المتابع لأحداث المنطقة بعد اجتماعات الأمم المتحدة يلاحظ أن مصر أثبتت أنها محصنة من الاختراق وأنها حصدت شهادة من الإنجازات ومن النجاح فى محاربة الإرهاب وبناء الدولة والحفاظ على المؤسسات وفرض الرؤية السياسية فى العديد من الملفات.. أما إيران وقطر فحصلتا على اهتمام من نوع آخر من المتابعة، فقد جاء خطاب تميم ضعيفا وفى ظل انضمام الشيخ سلطان بن سحيم آل ثانى نجل أول وزير خارجية لدولة قطر، إلى قائمة المؤيدين لدعوة الشيخ عبدالله بن على آل ثانى لاجتماع وطنى وعائلى لتصحيح الأوضاع فى قطر، وهو ما يعد رسالة قوية على أن قطار التغيير قد أخذ طريقه وأنه من الصعب إيقافه مهما عملت الدوحة على ذلك سواء عن طريق المناورة أو إبداء بعض المرونة فى التصريحات والمواقف الخاصة بالخلاف بهذا الملف الخليجى.
ثم هذا الكلام عن إلغاء الاتفاق النووى الذى تم مع إيران فى يوليو 2015، والملاحظ أن النظام الإيرانى استبق انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بجملة تصريحات توعدت بردود سريعة على أى محاولة أمريكية، استبق على خامنئى وحذر من خطوات أمريكا الخاطئة، وإيران مازالت تواصل تنفيذ ما وصفته بمشروعها لمواجهة الإجراءات الأمريكية بدعم من برلمان إيران أعطى الضوء الأخضر لتطوير صواريخها التقليدية والباليستية، وكذلك دعم الحرس الثورى وواجباته خارج الحدود، فهى تسعى إلى استغلال أى فرصة من أجل دعم استمرار العمل بالاتفاق النووى وتحصينه ضد أى احتمالات لتجميده أو التأثير على تطبيقه خلال المرحلة القادمة خاصة فى ظل السياسة التى تتبناها إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تجاهه، وعلى اعتباره أحد «أسوأ الاتفاقات فى التاريخ»».
ورغم أن طهران تحاول توجيه رسائل تهديد مستمرة بإمكانية عودتها إلى تنشيط برنامجها النووى فى حالة ما إذا اتخذت الإدارة الأمريكية إجراءات تعرقل استمرار العمل به حيث ستقرر الأخيرة فى منتصف أكتوبر القادم ما إذا كانت إيران انتهكت الاتفاق أم لا، إلا أنها ترى أن الاتفاق يمثل فرصة لها، لأنه مكنها من الحفاظ على برنامجها النووى، وفى الوقت نفسه أدى إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها وتقليص العزلة الدولية التى كانت تتعرض لها بسبب الأزمة التى أنتجها هذا البرنامج منذ عام 2002. ومن هنا، تبذل حكومة الرئيس حسن روحانى جهودًا حثيثة من أجل فرض ضغوط شديدة وتضييق هامش الخيارات المتاحة أمام إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
إيران فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة قامت بمحاولات الترويج لموقفها من الاتفاق النووى، ومحاولة تكوين حشد دولى داعم له ومناهض للتهديدات الأمريكية المتكررة بالانسحاب منه. كما أن الحرب ضد الإرهاب كانت محورًا هامًا فى المباحثات، حيث تحاول إيران استغلال تحرير مدينة الموصل من تنظيم «داعش» وتراجع سيطرته على بعض المناطق الرئيسية فى سوريا، من أجل الترويج لدورها، باعتبار أنها، وفقًا لمزاعمها، كانت طرفًا مشاركًا فى تلك التطورات، فى ظل علاقاتها مع الأطراف المعنية بالحرب ضد التنظيم فى كل من العراق وسوريا، وهى ادعاءات لا تتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض، التى تشير إلى أن السياسة التى تبنتها إيران كانت أحد أسباب انتشار التنظيمات الإرهابية فى بعض دول هذه المنطقة.
ومن هنا ربما يمكن تفسير تعمد المرشد الأعلى للجمهورية على خامنئى توجيه تهديدات جديدة ضد الولايات المتحدة الأمريكية بالتزامن مع مشاركة روحانى فى اجتماعات الجمعية العامة فى نيويورك، إذ حذر خامنئى، فى 17 سبتمبر الجارى، من أن «أى تحرك خاطئ فيما يخص الاتفاق النووى سيواجه برد من جانب الجمهورية الإسلامية»، مجددًا وصف الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى بأنها «الشيطان الأكبر»، وهو الشعار الذى دعت بعض التيارات المؤيدة للانفتاح على الخارج إلى استبعاده بعد عقد مفاوضات سرية وعلنية مع واشنطن مهدت إلى الوصول للاتفاق النووى.
تحذيرات المرشد ربما لا تكون جديدة، لكنها كانت متعمدة فى هذا التوقيت تحديدًا، بهدف قطع الطريق على أى محاولة من جانب فريق روحانى للوصول إلى تفاهمات أو فتح قنوات تواصل مع الإدارة الأمريكية بشكل قد لا يحظى بقبول من جانب القيادة العليا فى الدولة. ويبدو أن ذلك يعود أيضًا إلى استيائها من التلميحات التى أبداها بعض المسؤولين الإيرانيين فى الفترة الأخيرة، وأشاروا فيها إلى أن عقد مباحثات مع مسؤولين أمريكيين ما زال احتمالاً قائمًا حتى رغم اتساع نطاق الخلافات بين الجانبين.
إن هناك قراءة سياسية تشير إلى أن تلك التهديدات التى أطلقها المرشد خامنئى تهدف إلى تعزيز المفاوض الإيرانى باعتبار أنها تأتى فى إطار سياسة «تقسيم الأدوار» التى تتبناها إيران وتستخدمها دائمًا فى فترات الأزمات من أجل توسيع هامش الخيارات المتاحة أمام المسؤولين الإيرانيين فى التعامل مع بعض المواقف، لكن السياق العام هو التصعيد الإيرانى لانعكاس القلق فى دوائر صنع القرار فى إيران من احتمال إقدام الإدارة الأمريكية على اتخاذ خطوات جديدة ربما تؤدى إلى عرقلة استمرار العمل بالاتفاق فى المرحلة القادمة، خاصة فى ظل استمرار غموض الموقف الأمريكى الذى هو كلام وتصريحات وخطاب على منبر الامم المتتحدة وتشكك من الإقرار بمدى التزام إيران بالاتفاق، وفقًا للرؤية الأمريكية، والذى سيتضح فى منتصف أكتوبر القادم.
ومن دون شك، فإن هذه الخطوة ربما تؤدى إلى ظهور خلافات داخل دوائر صنع القرار فى إيران، بين اتجاهين: الأول، يرى إمكانية الاستمرار فى العمل بالاتفاق فى حالة ما إذا انسحبت واشنطن منه، على أساس أن إيران تعول فى الأساس على علاقاتها مع الدول الأوروبية وليس الولايات المتحدة. والثانى، يدعو إلى استغلال الانسحاب الأمريكى للعودة إلى تنشيط البرنامج النووى مرة أخرى، خاصة أن التعويل على عدم تأثر الاتفاق بالانسحاب الأمريكى لا يستند، وفقًا لرؤية هذا الاتجاه، إلى اعتبارات منطقية، فى ظل قوة التأثير الأمريكى على الساحة الدولية، والتى يمكن أن تحول دون حصول إيران على عوائد اقتصادية وتكنولوجية تضاهى، طبقًا لرؤيته، التنازلات التى قدمتها فى الاتفاق النووى.
ويبدو أن هذا التباين سوف يستمر خلال المرحلة القادمة، لا سيما فى الفترة التى سوف تسبق إعلان الإدارة الأمريكية عن موقفها من الاتفاق فى منتصف أكتوبر القادم، حيث ستتضح بعدها الخيارات المتاحة لكل طرف فى التعامل مع تطورات هذا الملف. قطر وإيران هما الأدوات الجديدة لتغيير الحدود فى ملفات عديدة فى هذه المنطقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة