قرر الكونجرس الأمريكى حرمان مصر من 95.7 مليون دولار مما يسمى بالمنحة الاقتصادية، كما أجل صرف مبلغ 195 مليون دولار، مما يسمى بالمنحة العسكرية، وذلك لعدم التزام مصر بالممارسة الديموقراطية وحقوق الإنسان، خاصة بعد صدور قانون الجمعيات الأهلية الذى نظم التمويل الخارجى لهذه الجمعيات. فما حكاية هذه المنحة؟
بداية لا توجد فى العلاقات الدولية ما يسمى بالحب لسواد العيون أو منح أى شىء لوجه الله. فالعلاقات الدولية هدفها الأول والأخير هو المصلحة والمصلحة فقط، والعلاقات مع أمريكا خاصة منذ بدايات خمسينيات القرن الماضى وهى تؤكد وتعلن الهدف وبشكل مباشر وهو تحقيق المصلحة، بل الإملاءات الأمريكية، فلم تقف أمريكا فى مواجهة ثورة يوليو 1952، وذلك لأنها كانت تعد نفسها كقوى استعمارية بديلة للإمبراطورية البريطانية التى لم تكن تغيب الشمس عنها، وذلك بعد الحرب العالمية الثانية وبعد ظهور القوى السوفيتية على سطح الأحداث العالمية. ومع ذلك وجدنا أمريكا وعن طريق البنك الدولى ترفض بناء السد العالى، مما جعل مصر تقوم بتأميم قناة السويس، ومع ذلك وجدنا أمريكا تساند مصر مع السوفيت لانسحاب العدوان الثلاثى عام 1956، وذلك لقناعتها بأهمية مصر فى المنطقة مكاناً ومكانة، ولا تريد أن تخسر مصر.
بعدها ربطت أمريكا المنحة بانضمام مصر لحلف بغداد لمواجهة ما يسمى بالشيوعية فى المنطقة وبالطبع رفض عبدالناصر ذلك، عام 1962 اشترطت أمريكا مقابل بعض المساعدات من قمح ولحم وسمن أن تتدخل بفرض مطالب على مصر، على أن تقوم بالتفتيش على تحقيق تلك المطالب، عام 1963 ربطت أمريكا هذه المعونة بتخفيض إنتاج القطن المصرى لكى لا ينافس الأمريكى، هذه بعض النماذج التى توضح الهدف من هذه المنح وهو التدخل فى شؤون مصر الداخليةو وبالطبع كان ما كان عام 1967 حيث موقف أمريكا الذى ما زال منحازاً لإسرائيل فلا يوجد فارق بين القرار والمصلحة الأمريكية عن القرار والمصلحة الإسرائيلية.
جاء السادات بشعار الـ99 % من أوراق اللعبة فى يد أمريكا، أى أنه قد أعلن الخضوع والانكفاء، تمهيداً لعقد كامب ديفيد وإبرام معاهدة السلام 1979 التى كانت سبباً فى منح أمريكا مصر هذه المنحة العسكرية والأقتصادية مقابل هذا السلام الذى فرط العقد العربى وما زال، حيث نرى الآن الوضع فى المنطقة وما آلت إليه الفوضى لتفتيتها على أسس طائفية وإعلان سايكس بيكو الثانية، جاء مبارك على خطى السادات فاقداً أى نكهة سياسية حتى أنه فقد أوراق اعتماده الأمريكية فكانت أمريكا أول من قال له ارحل، حيث كان بديل مبارك هو التيار الإسلامى الذى أطلقته أمريكا ضد السوفيت فى أفغانستان فى سبعينيات القرن الماضى. وكان الإخوان هم البديل الأمريكى فى القاهرة، فقد التزموا بتنفيذ كل المطالب وبأداء الدور المطلوب فى نشر الفوضى الهدامة وتفتيت المنطقة لصالح إسرائيل.
لم تكن منح أمريكا لنظام الإخوان، بل كان الإخوان فرعا لأمريكا وكان المرشد من حج إليه كارتر وكلينتون وباترسون، ولكن جاءت الأمواج بما لا تشتهى السفن، فكانت هبة 30 يونيو التى ساندها الجيش الوطنى فسقط نظام الإخوان. كانت لطمة قاسية على وجة المخطط المرسوم الذى بدأ تنفيذه فى المنطقة. كان طبيعياً أن تقف أوروبا وأمريكا ضد يونيو، أملا فى عودة ما يسمى بالرئيس المنتخب مع العلم أن يناير أسقطت مبارك المنتخب، كما أن يونيو أسقطت مرسى الذى جاء فى غفلة من الزمن لا علاقة لها بديمقراطية. فأمريكا كانت وستظل تستغل هذه المنح لإخضاع مصر وشعبها للقرار الأمريكى فكان ما كان من تهديد وتم تخفيض المعونة الاقتصادية، ومنعت قطع الغيار العسكرية وحجزت طائرات F 16 ولكن لان مصر لا يزايد أحد على دورها الإقليمى والتاريخى ولظروف ما تموج به المنطقة من مشاكل وإرهاب لم تستطع أمريكا تجاهل مصر، وكان مؤتمر الرياض الذى كان يجب أن يعقد فى مصر.
أمريكا لا تتغير فاستغلال المنحة باسم الديموقراطية هو كذبة كبيرة فلا الديموقراطية ولا حقوق الإنسان ولا حماية الأقليات الدينية ولا قانون الجمعيات الأهلية غير ستار كاذب وشعار مراوغ يكشف زيف السياسة الأمريكية، فتخفيض المعونة ليس بسبب الديموقراطية التى داستها أمريكا فى جوانتانامو وفى الممارسات العنصرية والفاشية التى تمارس الأن فى أمريكا ضد السود. السبب الأهم هو دور مصر المستعاد فى المنطقة ونجاحها فى كشف قطر ودورها التخريبى وإصرارها على المضى فى هذا وهو ضد أمريكا وأوروبا. السبب هو تلك العلاقات المتعددة مع كل القوى العالمية. السبب هو تعدد مصادر السلاح المصرى الذى كانت تحتكره أمريكا. السبب هو جيش مصر الذى أصبح العاشر عالمياً، ما تريده أمريكا هو فرض القرار الأمريكى على مصر بقطع علاقاتها بكوريا الشمالية، هذه هى الحقيقة وهذه هى المعونة التى يجب أن نتحرر منها فوراً، فالشعب الذى تحمل الكثير دائماً مستعد على التحمل لتحرير قراره السياسى. فالقضية ليست قيمة المنحة المادية، ولكن هى كرامة مصر وشعبها، حفظ الله مصر وشعبها العظيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة