هذا البرنامج الإذاعى الشهير الذى تربى معظم جيلنا والأجيال السابقة على حكمه ومواعظه، أجد نفسى اليوم بحاجة ماسة لأقتبس منه بعض أقواله المأثورة وحكمه، إذ أجاب الفيلسوف على تلميذته النجيبة عند سؤالها عن أصدق وأعمق ما يقال عن طبائع الرجال بأنه قد قيل ضمن ما قيل أو يقال فى أمر طبائع الرجال بأن الرجال ثلاثة عاقل، وأحمق، وفاجر.
والعاقل الدين شريعته، والحلم طبيعته، والرأى الحسن سجيته، والأحمق إن تكلّم عجل، وإن حُدِّث ذهل وإن استنزل عن رأيه نزل. وأما الفاجر إن صحبته شانك وإن إئتمنته خانك. والواقع أن أفضل الرجال هو الذى يتواضع عن رفعة، و يزهد عن قدرة، ويعفى عن قوة. أما أحزن الرجال فى هذا الزمان مَنْ أخذ رقاب الأمور بيديه وجعل العواقب نُصْب عينيه ونبذ التَّهيب دَبْر أذنيْه، أما أحلم الرجال فى هذه الحياة هو من عفى إذا قدر وأجمل إذا انتصر ولم تطغيه عزة الظفر.
أما أصوب الرجال رأيا وأرجحهم قولا وأفضلهم عقلا هو من ترك دنياه قبل أن تتركه، وأنار مثواه قبل أن يسكنه وأرضى ربه قبل أن يلقاه وصلى الجماعة قبل أن يصلى عليه فاليوم عمل بلا حساب وغدا حساب بلا عمل.
وهنا توجهت تلميذته إليه بسؤال حول كيفية الاستدلال على فضل الرجل ومزاياه وخلقه ومروءته فى هذه الحياة.
وقد أجاب الفيلسوف بأنه قد روى بأن رجلا من البادية جاء ذات يوم إلى الإمام على ابن عم النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال له يا أمير المؤمنين ما يكون لى وأنا سيد قومى، فقال الإمام على كرم الله وجهه " إن كان لك عقل فلك فضل، وإن كان لك تقى فلك دينٌ، وإن كان لك مالٌ فلك حسب، وإن كان لك خلق فلك مروءة ".
أما عندما سئل الفيلسوف عن ما إذا تغير مفهوم الحب أو جوهره الآن عن ما كان أيام زمان فأجاب بأن المفهوم والجوهر لم يتغير وإنما الذى تغير فى الحقيقية هو الأسلوب والطريقة فقديما كان رجل الغابة يصارع الوحوش نهارا جهارا ليلقى بصيده عند المساء تحت قدمى أليفته حواء والذى يحدث الآن لا يختلف أبدا عن ما كان أيام زمان، فوراء كل بطولة جليلة نفسا مغرمة بحواء ملهمه يلوح خيالها أمام بطلها عند هدف معين فينطلق إليه فى إصرار بين ليظفر فى آخر المشوار بإعجاب ورضا من أحب قلبه واختار.
أما سؤال التلميذة عن مدى صحة أن مرآة الحب تخدع أحيانا عيون المحبين أو أن عين المحب ترى ما لا تراه عيون الآخرين وفى رده على ذلك روى الفيلسوف بأنه حين دخلت بثينه ذات يوم على أمير المؤمنين عبد الملك فنظر إليها فى دهشة وعجب ثم قال إلى أحد خاصته أهذه بثينه التى قال فيها جميل ما قال فرد عليه حارسه بأنها هى، فقال أمير المؤمنين عجبا لكى يا هذه والله ما أرى فيكى شيئا مما كان يقول عنك جميل، فردت بثينه على أمير المؤمنين ذلك والله لأن جميل كان ينظر إلى بعينين ليست فى رأسك يا أمير المؤمنين.
وحين سئل الفيلسوف عن أعظم وأكرم منازل الفضائل أجاب بأنها المحبة وهى المنزلة التى فيها وعليها يتنافس المتنافسون ويتسابق المحبون فهى قوت القلوب وقلب المقامات والأحوال وهى روح الإيمان والأعمال التى إن خلت منها فى هذه الحياة كانت كالجسد الذى لا روح فيه ولا حياة.
أما اليقين فهو خير ما يمنحه المرء أو يعطاه فى هذه الحياة قبل العافية والمعافاة فقد ورد أنه ما أعطى أحدا فى دنياه أفضل من العافية والمعافاة إلا اليقين وهذا معناه أن فضل اليقين فى هذه الحياة سابق لفضل العافية والمعافاة فاليقين وقاية وحماية من كل شر وصدق جلا علاه فى ما قال " يقينى بالله يقينى " أما حقيقية معنى اليقين فى معاجم اللغة هو العلم وتحقيق الأمر وهو نقيض الشك كما أن العلم نقيض الجهل وفى صرح الإيمان جاء عنه أن اليقين الإيمان كله، فاليقين قلب الإيمان وكل إيمان لا يبعث على العمل معيوب وكل علم أو عمل لا يزيد الإيمان قوة فهو معيوبا أيضا أما أفة اليقين فهى سوء الظن، وقد سأل مريد ذات يوم أحد الصالحين عن كيفية ووسيلة الفوز والنجاة من آفة سوء الظن فى هذه الحياة، فأجابه بأن سوء الظن يؤدى إلى الشك والشك يؤدى إلى الجدل والجدل يحبط العمل والله تعالى إذا أرد بقوم سوء ألزمهم الجدل ومنعهم العمل فتحيط بهم الصعاب وتحجب دونهم الأبواب.
نسأل الله جلا علاه الفوز والنجاة من أفات ومهلكات هذه الحياة وأن نسلك بالإيمان واليقين سبيل السالكين إلى مرضاة الله رب العالمين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة