لا أنسى أبدا كيف استطاع الممثل الأمريكى الشهير «توم هانكس» فى فيلمه الممتع «كاست أواى» إنقاص وزنه وزيادته أكثر من مرة خلال الفيلم، وذلك لأن حبكة الفيلم تتطلب هذا، ففى بداية الفيلم يشغل توم هانكس منصبا إداريا مهما فى أحد أكبر شركات الشحن، ومن الطبيعى أن يكون وزنه أكبر من المعتاد، لأنه يعمل عملا إداريا وليس ميدانيا، وفى أثناء الفيلم تتعرض الطائرة التى استقلها «هانكس» للتحطم فى قلب الماء، حتى ألقت الأمواج بهانكس على جزيرة نائية ظل بها حتى تم إنقاذه، وفى هذه الأثناء ينقص وزنه بشكل كبير، حتى يبدأ فى الاعتياد على العيش فى البرية ويستطيع تدبير أمور حياته، فيزيد وزنه بشكل طفيف، حتى يستقر على وزن شبه طبيعي، وحينما يتم إنقاذه ويعود إلى وطنه نراه بالوزن الطبيعى الذى اعتدنا على رؤية توم هانس فيه.
من خلال هذا الفيلم نستطيع أن نعرف كيف يكون العمل الفنى خالداً بحق، فلا يكتب الخلود للأعمال العشوائية أو «السهلة» التى لا نرى الإتقان فى جميع تفاصيلها، ولاحظ هنا أننى لم أستخدم كلمة «الكمال»، وإنما استخدمت كلمة الإتقان، فلا يستطيع أحد أن يصل إلى الكمال المطلق، لكنه يستطيع أن يثبت للعالم أنه اجتهد فيما يفعل حتى وصل إلينا منتجه النهائى دون أن يتسبب فى أذى للعين أو الوجدان، ولم يجاف العقل أو المنطق.
ولأنه فى شاشات العرض هذه الأيام سأتخذ من مسلسل أم كلثوم مثالا على عدم الإتقان، فقد نجح المسلسل نجاحا مدويا وقت عرضه ومازال قادرا على اجتذاب ملايين المتابعين، واعتبره البعض وثيقة تاريخية على «زمن الفن الجميل»، لكنى فى الحقيقة كلما شاهدت هذا المسلسل أشعر بضيق شديد، لأننا كالعادة «نفسد الطبخة علشان بشلن ملح»، وأتحدث هنا بالتحديد عن مشهد تلحين أغنية رق الحبيب فى المسلسل، حيث أمسك الممثل الراحل «أحمد راتب» الذى كان يقوم بدور محمد القصبجى فى يده عود «تجارى» لا يليق على الإطلاق بمكانة القصبجى ولا أم كلثوم، كما أن هذا العود ظهر فى يد الممثل «صلاح رشوان» الذى قام بدور الملحن أحمد صبرى النجريدى، كما ظهر فى يد الممثل ايمن عزب الذى قام بدور رياض السنباطى وغيرهم كثير، كما أن أوتاره ناقصة عن العدد الطبيعى بمقدار 5 أوتار من أصل 12 وتراً، ولك هنا أن تسأل نفسك هل تعد مسلسلاتنا وأفلامنا «وثائق تاريخية» بحق أم لا؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة