لم تعد الصيد مهنة الصبر والبحث عن الرزق مثلما كانت فى السابق، بل أصبحت مصاعبها أكبر بكثير من أى وقت مضى، وهو ما يرويه صيادو قرية "طحلة" الواقعة على النيل وتتبع مدينة بنها بمحافظة القليوبية، فى زيارة لليوم السابع للمنطقة.
وقال محمود حنفى الصياد ذو الـ46 عاما والذى يعمل بالمهنة منذ ثمانينيات القرن الماضى، إن هناك خطرا كبيرا يهدد الصيد بالمنطقة وصحة الإنسان أيضا، حيث يقوم الصيادون بتسميم الأسماك خاصة فى شهرى ديسمبر ويناير التى يقل فيها منسوب نهر النيل لتسهيل صيده، وذلك باستخدام مبيد قاتل يتسبب فى اختناق الأسماك، ويسبب هذا النوع من المبيدات الفشل الكلوى للإنسان الذى يتناول الأسماك الملوثة بهذا السم.
وأوضح حنفى أن صيادى القرية توقفوا لسنوات طويلة عن تسميم الأسماك بعد اجتماعهم مسئول هيئة الثروة السمكية بالمحافظة السابق فى الثمانينيات وظل هذا السلوك متبعا منذ عام 1987 وحتى عام 2001، ولكن عاد الصيادون لهذه الممارسة الخاطئة وتسميم الأسماك مرة أخرى بصورة أكثر كثافة منذ عامين تقريبا، بسبب تكثيف حملات وزارة الرى لإزالة الحشائش التى تنمو على جانبى النيل ويطلق عليها "عفش النيل"، ظنا من الصيادين أن إزالة هذه الحشائش يمنع وجود الأسماك فى المنطقة، حيث تعيش الأسماك وتنمو بينها.
وأشار حنفى إلى قيام بعض الصيادين فى القرية بإقامة حواجز وسدود لحجز الأسماك فى منطقة الصيد الخاصة بكل واحد منهم، مما يمنع وجود الأسماك فى باقى المناطق المخصصة للصيد ويقصر الصيد على عدد محدود من الصيادين، حيث يقوم هؤلاء بإقامة السدود ليلا فى ظل عدم وجود شرطة المسطحات المائية، ويتسبب هذا السلوك الضار فى صيد الزريعة أيضا بما يؤدى لتقليل حجم الثروة السمكية فى مياه النيل، فى ظل تكرار هذا الفعل بأماكن أخرى للصيد بخلاف قريته.
وأوضح حنفى أن ما يقرب من 100 صياد يقوموا بهذه الأفعال الضارة من جملة 300 صياد بالقرية، وهو ما يهدد أزراقهم وحياتهم وصحة المواطنين.
هذه المشاكل الكبيرة التى تسبب فيها السلوك الخاطئ لبعض الصيادين أثرت بصورة مباشرة على قطاع كبير من الأسر التى تعتمد على الصيد كمهنة أساسية فى حياة عائلها، وعلى الشباب الذى يكافح ليبدأ حياة جديدة فى ظل ظروف اقتصادية شديدة الصعوبة.
أمير هانى شاب يبلغ من العمر 18 سنة فى آخر سنوات الدراسة بمرحلة الدبلوم الفنى، ظل لسنوات يعمل بمجال تركيب الرخام والجرانيت، ونظرا لانخفاض الدخل من هذا المجال نتيجة تراجع الطلب اتجه لمهنة الصيد أسوة بعائلته.
هانى لم يجد فى الصيد ما يبحث عنه، لأن الدخل أيضا منخفض جدا، فالصياد الذى يعمل بجهد كبير طوال العام يمنه أن يربح ما بين 2000 – 3000 آلاف جنيه فى عام كامل، وهو مبلغ ضئيل جدا لا يكفى لحياة شهر واحد، ويؤكد هانى أن عدد كبير من الصيادين لم يعد قادرا على العمل بهذه المهنة وحدها، جميعهم خرجوا للبحث عن مهن أخرى على البر ولكن حتى هذا الأمر أصبح صعبا فى ظل الظروف الحالية، فالشغل ليس متاحا بحسب هانى.
أما عمرو محمود فهو شاب يبلغ من العمر 26 عاما بعمل صيادا مع عائلته وأحيانا نجار مسلح عندما يقل الرزق من الماء، يؤكد أنه اضطر للعمل باليومية فى مهن أخرى مثل النجارة بسبب قيام بعض الصيادين بتسميم الأسماك، قائلا: "صنعة الصيد ماتت بسبب السموم".
ورغم تقدمه لخطبة فتاة من القرية منذ 8 أشهر، فحتى الآن لم يتمكن من تدبير مبلغ 5 آلاف جنيه لإتمام الخطبة بسبب انخفاض الدخل، وقال محمود: "مفيش شغل على البر ولا البحر".
ولم يختلف حال عبد الرحمن مهدى الشاب ذو الـ23 عاما عن زملائه من الصيادين، والذى يشكو من قيام بعض الصيادين بتسميم الأسماك وإقامة السدود والحواجز لقصر الأسماك والرزق على مجموعة بعينها دون آخرين، وقيامهم بصيد الزريعة وبيعها مما يهدد الثروة السمكية بالمنطقة.
وأشار مهدى إلى قيامه بالبحث عن عمل آخر طوال الوقت، حيث عمل من قبل على "خلاط جبس" وأعمال أخرى باليومية ليجد قوت يوميه ويساعد عائلته، وحتى الآن يصعب عليه الزواج وتكوين أسرة بسبب الظروف المادية الصعبة.
صيادو طحلة يبدأون رحلة الصيد
صياد يشرح كيفية عمل السدود لحجز الأسماك تحت الماء
عمرو محمود يحمل رزق أسرته من النيل
عبد الرحمن مهدى يجدف بقاربه لرحلة صيد جديدة
الشباك الصغيرة تخرج بالأسماك من مياه النيل
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة