بالصور والأرقام.. انتشار مافيا التعدى على الأراضى الزراعية فى محافظات الصعيد.. عودة العاملين بالخليج للعمل فى سمسرة الأراضى.. والحكومة تعمق الأزمة بتوصيل المياه والكهرباء وباقى المرافق للمبانى المخالفة

الثلاثاء، 25 يوليو 2017 05:00 م
بالصور والأرقام.. انتشار مافيا التعدى على الأراضى الزراعية فى محافظات الصعيد.. عودة العاملين بالخليج للعمل فى سمسرة الأراضى.. والحكومة تعمق الأزمة بتوصيل المياه والكهرباء وباقى المرافق للمبانى المخالفة التعدى على الأراضى الزراعية بالصعيد
كتب شعبان هدية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كل مرة أذهب فيها إلى الصعيد، تتزايد لدى المخاوف على مستقبل الأجيال القادمة، بسبب تحول ألاف الأفدنة من الأراضى الزراعية إلى كتل خرسانية، وتغيرها من اللون الأخضر إلى اللون الأحمر والأبيض، ووصل الأمر إلى تجارة ليس بالأراضى فقط بل بمصير ومستقبل أبناءنا.

 

 

 

فما يحدث من تجريف وتعدى بالبناء على الأراضى الزراعية، جريمة يعاقب عليها القانون، ليس للمعتدين فقط، بل للمسئولين المتقاعسين المتخاذلين عن حماية حقوق المجتمع وحقوق الأجيال القادمة، خاصة وأن الحكومة تتحدث منذ سنوات عن قانون لتغليظ العقوبات على من يتعدى على الأراضى الزراعية بالسجن 10 سنوات وغرامة 500 ألف جنيه ومنع توصيل المرافق، ولم تتحرك لا بتنفيذ القوانين القائمة ولا بتشديد العقوبات فى قانون جديد ولا نعرف ماذا تنتظر؟

 

الأزمة الحقيقية أن وزارة الزراعة ومعها المحليات تحولت الفترة الأخيرة فى هذه القضية تحديدا من الفعل إلى رد الفعل ، وكأن مهمتها الحصر وإصدار الإحصائيات فقط ، خاصة إذا كانت نسبة إزالة المخالفات باعتراف الوزارة ذاتها لا تتعدى 29% فقط من مجمل المخالفات، حتى بعد غضب الرئيس فى مؤتمر الشباب مايو الماضى من هذا الإهمال فى حقوق المجتمع، وعاد التعامل مع القضية بعد كل هذا الغضب كسابق عهدهم الروتينى المهمل.

 

 - الكارثة تطول أغلب المحافظات

فطبقا للإحصائيات الأخيرة التى نقلها الزميل "عز النوبي"، وتقرير صادر عن الإدارة المركزية لحماية الأراضى، وصلت التعديات منذ ثورة يناير وحتى 10 يوليو الجارى، مليونا و730 ألف و59 حالة بمساحة  76 ألف و950 فدانا، وجاءت البحيرة والغربية على رأس القائمة، ووصلت فيهما التعديات أكثر من 7 ألاف فدان لكل منهما، وكان نصيب المنيا وأسيوط على سبيل المثال 6 آلاف و 4 آلاف فدان على التوالى ، وهما فى المرتبة الخامسة والعاشرة ، مما يعنى أن الكارثة تطول أغلب المحافظات.

 

ورغم  هذه الأرقام المخيفة، إلا أن هناك عشرات الحالات لا يتم حصرها رسميا، ومع كل هذا الحكومة  تتعامل مع الأمر كأنه أرقام والسلام!!،  وترصد فقط ظاهرة وفقط، دون أن تكون هناك خطة أو استراتيجية لمواجهة هذه التجارة والمافيا.

 

 وما خسرناه فى الست سنوات  الأخيرة حسب تقارير وزارة الزراعة، يعنى أننا فى غضون عشر أو عشرين عاما قد لا نجد أراضى  زراعية بالوادى والدلتا، حيث أن مساحة الأراضى الزراعية 9 ملايين و270 ألف فدان، منها 6 ملايين و95 ألف فدان بالأراضى القديمة، و3 ملايين و175 ألف فدان بالأراضى المستصلحة يعادل 10/1 من المساحة الكلية للأراضى القديمة.

 

الأمر لم يعد أرقام وفقط ، فعندما ترى بعينيك الحقيقة على أرض الواقع، وكيف اختفت زمامات كاملة من الأراضى الخضراء وتحولت إلى عمارات خرسانية؟، وكيف التصقت قرى ببعضها البعض؟ واختفت المساحات الخضراء ، تدرك حينها أننا أمام كارثة.

 

فالحكومة والمواطنين شركاء فى الجريمة، خاصة وأنها لم تعد كما كانت مبرراتها سابقا هو بحث الأسر عن مكان لإقامة وزواج الأبناء ، بل تحول الأمر إلى تجارة، وإن شئت قل "مافيا"،  لها أصحابها ومتخصصين فيها، يعرفون كيف يديرون تجارتهم وكيف يروّجون لها بين الفلاحين؟، فى ظل تدنى أسعار المحاصيل مقابل أسعار الأسمدة والتكاليف ، وتحولت كثيرا من الزراعات لتكون عبئا  على الفلاح، مع وصول متوسط سعر فدان الأرض البعيد عن القرى  لأكثر من مليون جنيه ،أما البيع كمبانى فوصل المتوسط أكثر من 10 ملايين جنيه، أى عشرة أضعاف سعره الزراعى.

 


 

- ارتفاع سعر قيراط الأرض الزراعية لـ 2 مليون جنيه

ولم يقتصر الأمر على التمدد فى تخوم القرى والنجوع، فى ظل غياب الحكومة عن تحديد كردون مبانى كما كان فى العقود السابقة، ولا خريطة صحيحة عن الأحوزة الزراعية ،بل وصل الأمر إلى البناء حتى بجوار المقابر التى كانت تبعد عن القرى بضع كيلومتر فى بعض المناطق، والسبب الرئيسى ليس مصلحة الفلاح البسيط ، ولا الحاجة لمكان للاقامة، بل يراه البعض هروبا من الفقر، وهروبا من ضعف الإنتاجية وسوء الخدمات التى تقدمها الحكومة للفلاح، فبالورقة والقلم ماذا سيجنى الفلاح من فدان أرض يكلفه سنويا آلاف الجنيهات والحصيلة قمح أو قصب أو ذرة تحدد سعرها الحكومة بأقل من التكلفة، فى حين أن البيع سيوفر له ما بين مليون و10 ملايين جنيه دفعة واحدة وبدون تعب!

 

ولعل أرقام وأسعار ثمن هذه الأراضى خير دليل، ففى محافظة أسيوط وصل سعر قيراط الأرض الزراعية إلى 2 مليون  جنيه على طريق ديروط الدائرى، ولا يقتصر الأمر على محافظة أو مدينة أو قرية، بل أصبح عدوى انتقلت إلى جميع المحافظات تقريبا.

 

وإن كانت أرقام وزارة الزراعية والحكومة تعيد الأمر إلى فترة الانفلات الأمنى إبان ثورة 25 يناير 2011 ، إلا أن الحقيقة أنها تصاعدت الفترة الأخيرة ، بدليل أن سعر فدان الأرض الزراعية البعيد عن العمران ظل ثابتا تقريبا السنوات الأخيرة،  ولم يتحرك كثيرا، فى حين أن الأراضى المتاخمة للقرى والمدن القريبة من كردون المبانى تضاعفت أسعارها من 50 ألف جنيه القيراط فى 2011 ، إلى أن وصلت إلى 600 ألف جنيه على الطرق الداخلية، وأكثر من مليون جنيه على الطرق الرئيسية أو الطريق السريع "القاهرة- أسيوط" الزراعى أو المحاور والكبارى الجديدة الرابطة بين جانبى النيل.

 

 - عودة العاملين بالخليج للتجارة فى الأراضى الزراعية

 كما أن هذه القفزة فى الأسعار وحالة "السعار" فى التهام الأراضى الخضراء، عاد كثيرا من العاملين بالخليج إلى قراهم للعمل فى هذه التجارة،  لآن الربح أصبح خرافى مقارنة بالعمل فى الكويت أو السعودية ، خاصة أن أهالى الصعيد لا يجيدون العمل فى مشروعات إنتاجية أو صناعية، بجانب أن تجارة العقارات التى كانت رائجة فى المناطق الشعبية بالقاهرة والجيزة والتى كانت تجذب "الصعايدة"، ذهبت إلى المدن الجديدة التى لا يحسّن أهل الصعيد التعامل مع ظروفها ويتخوفون من الفشل فيها، لذا كانت تجارة الأراضى الزراعية وتحويلها إلى كتل سكنية هى الباب السحرى لتشغيل أموال العائدين من الخليج وربحها يفوق أى تجارة أخرى.

 

إذن لم تعد الحاجة إلى مسكن جديد لزواج الابن أو للتوسعة على الأسرة هى السبب فى هذا الحجم من التعديات، بل هو الجشع والرغبة فى الثراء السريع ، خاصة وأن الأراضى المتاحة للبناء فى مدن وقرى الصعيد القديمة قفز سعر المتر فيها إلى 120 ألف جنيه فى مدينة أسيوط، وما بين 30 و60 ألف جنيه فى مراكز المحافظة ، وكذلك الحال فى المنيا وبنى سويف وسوهاج وقنا.

 

 - طرق تحايل المواطنين والمساجد الضرار:

ونظرًا إلى التعامل التقليدى القديم من الحكومة وخاصة المحليات مع القضية، فطن "الصعايدة" إلى طرق الالتفاف والتعامل مع "إهمال الحكومة"، ولم يعد الأسلوب القديم بتجريف الأرض أو تبويرها لفترة للحصول على موافقة وزارة الزراعة أو الجمعية الزراعية على تصاريح البناء،  لأن هذا كان يأخذ وقت طويل يمتد لعامين أو أكثر ، لكن وجدوا طرق أسهل وأسرع .

 

فخلافا للرشاوى لمسئولى الزراعية أو المحليات، هناك ثغرات قانونية كثيرة نفذ بها أصحاب هذه التجارة إلى مرادهم ، ببناء بالطوب الجيرى الأبيض ولو حتى سُوَر أو غرفتين أو حظيرة للمواشى، فتأتى مديرية الزراعة أو مجلس المدينة لهدمه، فيحررون محضر هدم ضد هذه الجهات ويأخذون أمر بالتنفيذ، ويستخرجون تصاريح بناء عن طريق أصحاب النفوس الضعيفة فى الجهات المختلفة، ويزيلون الطوب الأبيض لإقامة أبراج وعمارات شاهقة، كذلك هناك من يقيم مسجدا فى وسط الزراعة، ويأخذ عليه موافقة من وزارتى الزراعة، والأوقاف بل يتم تعيين له عمالة وإمام، وبناء عليه يمد له المرافق ثم يقيم حوله منزل وتنتقل المنطقة الزراعية بفضل "المسجد الضرار"، إلى منطقة سكنية،  ويبدأ الأهالى فى المنطقة تقسيمها وإعلان الأسعار التى كانت فى السابق تبدأ بالآلاف لتدخل الآن فى مئات الآلاف بل وملايين الجنيهات.

 

ورغم معرفة الحكومة بهذه الألاعيب، إلا أن التراخى والإهمال وغياب الرؤية وغياب التنسيق بين الجهات الحكومية فتح ثغرة أخرى، بتوصيل الموافق للمنازل والعمارات المقامة بالمخالفة على أراضى زراعية، فيتم توصيل عدادات المياه والكهرباء والتليفونات، وبالتالى أصبح المعتدى له حق شرعى وقانونى ولا أحد يستطيع أن يلومه أو يحاسبه نتيجة جهل أو قل "تواطؤ" المسئولين فى كل جهة، فبكل تأكيد أن أولادنا سيسددون قاتورة هذا الإهمال وعجز الحكومة عن مواجهة "مافيا الأراضى الزراعية".

 


 

- تكلفة استصلاح فدان أرض فى الصحراء

بعد كل هذا، لا يجب أن نسأل لماذا نستورد الخضار والفاكهة من لبنان أو سورية أو حتى من الصين ، ولا يمكن المجادلة فى أننا خسرنا ثروتنا الحقيقية وأجود الأراضى لتحل محلها الكتل الخرسانية ، خاصة إذا كانت كل هذه الأراضى التى نخسرها كل دقيقة لا تقدم سلعة إنتاجية واحدة ، ولا تقدم فرص عمل حقيقية إلا اللهم فى المقاولات والبناء والتجهيزات ليس أكثر.

 

فإذا كانت  تكلفة استصلاح فدان أرض فى الصحراء كما حددتها وزارة الزراعة فى كرسات شروط  مشروع استصلاح مليون ونصف المليون فدان فى 2015 كانت 185 ألف جنيه، إضافة  لحفر بئر لاستخراج المياه  يتكلف ما لا يقل عن مليون جنيه حسب عمق المياه، كما أن إضافة  الأراضى  الجديدة تحتاج أكثر من 3 سنوات حتى تصل إلى الإنتاج الجيد.

 

- حسابات خاسرة وتراخى الأجهزة التنفيذية :

فظاهرة  التعدى على الرقعة الزراعية بالبناء ليس حديثا، إلا أنه كان محدودا ولم يصل إلى 30 ألف فدان قبل 2010، إلا أنه وصل السنوات السبع الأخيرة إلى هذا الحجم، ورغم مبررات الانفلات الأمنى طوال ثلاث سنوات ، إلا أنه منذ 2014 هناك تحركات عليا وتوجيهات من الرئاسة لمواجهة هذه الظاهرة، ولكن تراخى الحكومة والأجهزة التنفيذية خلق عشوائية وكذلك ترك الأمر ليهدد مستقبل الأجيال القادمة، لأننا قدنا إنتاج 1.5 مليون طن قمح على الأقل سنويا، و 2 مليون طن أرز، وهكذا حسابا على باقى  المحاصيل، وما يجعل الفاتورة أغلى وأكثر خسارة ، أن نسبة السكان تتصاعد بأكثر من 2,5% ووصلنا لأكثر من 93 مليونا، فالرقعة الزراعية ذات الجودة العالية تتناقص، والسكان فى تزايد ، لذلك نقول أن مايحدث جريمة فى حق أولادنا والأجيال القادمة !!


 

 

 


 

 


 

 


 

 


 

 


 

 


 

 


 

 


 

 


 

 


 

 


 

 


 

 


 

 


 

 


 

 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة