"أمسك بقلمه ، وبدأ يخُط أحرفًا متواصلة ترسُم أمام عينيه كلمات تدُق بعنف وتثور في أعماقه ، محدثة جَلَبةً هائلةً في رأسه الصغير ؛ فهو لم يتخطَّ عامه الثاني والعشرين بعد لٰكنه يتأهب للدُّخول في معترك الحياة ؛ فبعد أيام قليلة سيتسلم عمله في إحدى الشركات لتبدأ معها خُطواته نحو حياة جديدة ومسؤولية أكبر. كانت تلك الخطوة تهُز شيئًا ما في أعماقه ؛ فهو لا يدري كثيرًا عن أسرار الحياة ولا يمتلك كثيرًا من خبراتها، ففي سنوات التعليم التي مر بها لم يتعلم كثيرًا عن خبرات الحياة، ولٰكنه أتقن فن حفظ المعلومات واستدعائها حتى تمكن من إحراز التفوق . لا بأس ! فهٰذا عظيم ! إذ فُتحت أمامه الأبواب ليَحظَى بفرصة عمل لا تأتي كثيرًا. ولٰكن، ماذا عن الغد؟! ماذا عن الحياة ؟! توقف عن شُروده وأفكاره لحظات ، لتستقر عيناه على تلك الكلمات : «إنما الحياة ، يا أخي، دمعة وابتسامة ».".
حين نتحدث عن الحياة ، فنحن نُطرق تلك جوانبها التي نعرِفها وتلك الأخرى التي نكتشفها ونحن نسير دُروب رحلتها. وفي جميع ما يمر بنا من مواقف وما نتعرض له من ظروف، نجدها منحصرة بين "دمعة" تُذرف من أجل ألم أو ضيق أو إحباط أو خوف أو فشل، وبين "ابتسامة" صدرت بسبب خير ومحبة ونجاح وسعادة ، وبين هٰذه وتلك نتعلم كيف نرتفع فوق الدمعات ونتشارك الابتسامات. كثير من البشر يخشَون العُبور على جُسور الدُّموع والألم، محاولين تجنبها، وهم لا يُدركون أنها فترات سمح بها الله ـ تبارك اسمه ـ من أجل نموهم وبنائهم وإثمارهم. من منا لا يعي أن الثمار لا تأتي إلا بعد أن تُدفن بُذورها وتموت؟! من ذا الذي لا يُدرك أن أحلك لحظات الظلام هي تلك التي تسبق انبعاث النور، في إعلان إشراقة يوم جديد؟! لذٰلك لا تخشَ فترات "الألم"، بل عدِّل من أحرفها في أفكارك ومشاعرك، ودَعْها لتصير أزمنة "الأمل".
أيضًا فترات "الألم" بالنسبة إلى البعض هي أفضل مرحلة من أجل "العمل"! ففي رسالة للكاتب الأديب "جُبران خليل جُبران" إلى أحد الأشخاص الذي كان يتعرض لألم وظلم شديدين، كتب يقول: "إن السماء قد وضعتكم في محيط حرج يفتقر إلى المعرفة والاستقامة والحرية؛ وهٰذا خير ما تفعله السماء بالنُّفوس النبيلة التي كُوِّنت منذ البَدء لتخدِم وتُعطِي وتعلِّم!". نعم، هناك من يسمح لهم الله بتلك الفترات لتنطلق من أعماقها قدراتهم على الخدمة والعطاء إلى كل محيطيهم ؛ إذ تُولد الدمعاتُ في نفوسهم طاقة عمل من أجل الخير، إلى جانب مشاعر الإحساس بكل متعَب ومتألم في الحياة.
كذٰلك من الممكن أن تكون فترات الدُّموع من أجل أن يتعلم الإنسان منها درسًا جديدًا، أو لقهر شيء سلبيّ ما في أعماق نفسه. وللحديث بقية ...
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة