سيقت هذه الآية فى قصة موسى مع فرعون وسحرته، لكنها أعم من السياق الذى وردت فيه، فالافتراء يطلق على معانٍ متعددة، منها: الكذب، والظلم، والشرك، وكلها تدور على الفساد والإفساد.
وفى دنيا الناس-للأسف- من له من هذه الآية نصيب وافر، ومن ذلك: الكذب والافتراء على الله، بالقول عليه بغير علم بأى صورة من الصور، فالذى يحلل الحرام أو يحرم الحلال، كما حكاه الله تعالى عن بعض أحبار بنى إسرائيل من المفترين، والذين يفتون بغير علم من المفترين على الله سبحانه وتعالى، وقد دل القرآن على أن القول على الله بغير علم أعظم المحرمات على الإطلاق، قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
ولأجل هذا كان كثير من السلف يتورع أن يجزم بأن ما يفتى به هو حكم الله، إذا كانت المسألة لا نص فيها، ولا إجماع، قال بعض أهل العلم: ليتق أحدكم أن يقول: أحل الله كذا وحرم كذا، فيقول الله له: كذبت! لم أحل كذا ولم أحرم كذا. ولهذا لما كتب الكاتب بين يدى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: هذا ما أرى اللهُم أمير المؤمنين عمر، فقال: لا تقل هكذا، ولكن قل: هذا ما رأى عمر فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأ فمن عمر.
فعلى هذا يجب على من لم يكن عنده علم يتكلم به أن يُمسك لسانه، وعلى من تصدر لإفتاء الناس أن يراعى هدى العلماء فى هذا الباب؛ فإنه خير وأحسن تأويلًا.
ومن الافتراء الذى يصاب صاحبه بالخيبة وعدم الفلاح أن يعمد بعض المنسوبين للعلم، فيبحثون عن أدلة تسند كلامهم، ولو كانت واهية ضعيفة أو حتى موضوعة دون أن يشيروا لذلك فى موطنه، تدليسًا على الناس، ومنه أيضًا: إباحة الآراء الفقهية، ولو كانت شاذة للعوام ليفعلوا ما يريدون وينتقوا ما يرتضون، دون تقرير علمى للمسائل وتحريرها، وتمييزًا للآراء القوية من الضعيفة.
ومن الافتراء أيضًا أن يحسد الإنسان أخاه الإنسان على فضل الله عنده، فيسعى فى ذهاب النعمة عنه، وكم من بيوت دمرت بسبب هذا الداء الذى يحلق الدين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة