حين يهل علينا رمضان يأتى معه بخير كثير، ومن ذلك الخير ما يتعلق بتصحيح النية وتجديدها، والآية التى معنا اليوم تشير إلى أن كل إنسان ينبغى أن يقصد الله بعمله، لا غيره، فبعض الناس يطلبون بأعمالهم خلق الله، يطلبون بها عندهم السمعة والرياء.
وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ.. يقول الله تعالى
وكأن هذه الآية تحمل إشارة ربانية إلى أن الله يثيب على الأعمال مهما كانت قليلة أو كثيرة، وأن على الإنسان أن يطلب بعمله وجه الله تعالى فيكون مخلصا فى عمله وإن لم يطلع عليه أحد، وهذا من أمارات توفيق الله للعبد.
ومن فوائد هذه الآية أنها تحمل ما يعود على النفس بالراحة وعلى القلب بالاطمئنان، ذلك أن المحسن إلى الخلق، المخلص فى خدمة الناس ونفعهم لا ينتظر التقدير والثناء من الخلق، بل يجد سهولةً فى الصبر إذا ما تنكر الناس لجميله ومعروفه الذى أسداه، وكأنه يستحضر قول الله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}.
وباب تصحيح النية تكلم فيه العلماء وأكثروا، بل تكلم سيد النبيين صلى الله عليه وسلم فيه، فقال: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، والمعنى: أن مدار قبول الأعمال مرتبط بالنية الحاملة عليها، وبين العلماء منزلة هذا الحديث فقالوا: فيه ثلث العلم، وقالوا يدخل فى سبعين بابا من أبواب الفقه.
وإذا كانت الأعمال صورتها الصحيحة مفرحة فلا بد من اقترانها بنية صحيحة باطنة باعثة عليها ليتم القبول من الله، فهذه الآية تبين أن رب العالمين يعلم ما يفعله الإنسان أيا كان، فإذا كان الإنسان يستطيع أن يخدع الناس فإن رب الناس محيط به ومطلع على القلوب والضمائر. فليفعل الإنسان الخير لله وحده، ولا يتأخرن عن معروف من أجل تنكر بعض الناس فما يفعل الإنسان من خير فالله يعلمه ويثيبه عليه.
إن غياب النية الصحيحة عن العمل نذير خطر وشؤم، فضلا عن تعريض الأعمال للضياع، ففى حديث أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ ِللهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ، يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِى مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَه ُوَ يَخْبِطُ فِى مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لاَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ، وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلاَ يَعْلَمُ ِللهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالًا وَلاَ عِلْمًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِى مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ.
فجعل أجرهما سواء لاشتراكهما فى نية صحيحة واحدة، وفى المقابل جعل وزرهما سواء لاشتراكهما فى نية واحدة فاسدة.
فالله يعلم الصادق من الكاذب، والمصلح من المفسد، فمهما ادعى الإنسان أن عمله صالحن وهو فاسد فالله يعلم بفساده، ومهما وصفه الناس ومدحوه بما ليس فيه فهو أعرف بنفسه، إن القرآن ليدعونا إلى أن نقف أمام أنفسنا ونكتشف عيوبنا، وألا نغتر بمدح المادحين ولا قدح القادحين، والأسماء مهما تعددت لن تغير مسماها.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص فى القول والعمل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة