استهزأ الأب من ابنته عندما طلبت منه العيدية، فرد قائلاً: "أنتى فاكرة نفسك صغيرة!! العيدية دى للأطفال".. وردت الأم على ابنها: "يا ابنى أنت بتشتغل خلاص المفروض أنت اللى تدينى".. وقال الأخ الأكبر لأخواته المسئول عنهم بعد وفاة أبيه: "لبس العيد بقا للأغنياء بس، إنما الطبقة المتوسطة والفقيرة يعيدوا بالبيجامات فى البيت أحسن لهم".. وتألمت البنت الجامعية معبرة: "أنا حاسة أن بقا عندى خمسين سنة.. ما حدش بيدينى عيدية".. وقال الشاب المتزوج "يا ريت ما كنت أتجوزت وفضلت لسه طفل عشان كنت أفضل أحس بالعيد" ..
جميعهم تعاملوا، وتلقوا ردود الأفعال، فتأملوا وعبروا ولكن، هل شعر من حولهم بعمق هذه الأحاسيس؟
منذ أن أدرك كل منا وجوده بالحياة، منذ أن كنا أطفالاً، وارتبط العيد فى أذهاننا بالعيدية، والملابس الجديدة التى ما زالت المحلات تزدحم فى هذه الأيام بسببها رغم ضغوط الحياة المادية.. القليل فقط من الناس هو من حافظ على هذه الارتباطات الشرطية فى حياته، فتجده رجلاً مؤسس أسرة ولكن أبوه الذى ما زال على قيد الحياة، يعطيه العيدية. ومازال يذهب هذا الرجل لشراء ملابس جديدة فى العيد.. أما الكثيرون، فهم ربطوا فى عقولهم تقدم العمر والظروف المادية بالتخلى عن هذه الأشياء.. وعلم النفس عندما اكتشف هذا الأمر، قرر أن يكتب المقال الحالى كجرس أنظار لما يلى:
عزيزى القارئ: لا تظلم نفسك بالتخلى عن ذكريات الأيام.. فمن قال إن اللعب والعيدية والملابس الجديدة...إلخ، تم خلقها للأطفال فقط؟!!! عندما يتخلى الإنسان عن هذه الطقوس، فإنه يفقد نفسياً ولا شعورياً بالتدريج الاستعداد النفسى لاستقبال العيد ومن ثم اللذة الحقيقية له. ولذا يردد الكثيرون جملة "ما بقاش فى عيد زى زمان" ولا يدركون أنهم بأيديهم من قتلوا لذة المناسبات والإحساس بها، بتخليهم عن الطقوس البسيطة التى خلقت لها.. وبالتالى فالنفس تدين غلاء الأسعار وضغوط الحياة والمسئوليات..إلخ، ولا تعلم أنها فى علم النفس حيلة دفاعية لإبعاد اللوم عن ذاتها.
عزيزى القارئ: أعلم الآن أن نسبة لا يستهان بها من القراء قد تدين كلامى وتوجه إليه النقد، معبرة: "لبس عيد إيه!! وفرحة إيه!! وعيدية إيه!! أنتى مش شايفة الأسعار؟!! هى الناس هتجيب منين؟!!".. ولذا فعلم النفس يعرف جيداً أحاسيسكم وما يدور بداخلكم، ويعرف جيداً ضغوط الحياة، ولكنه كتب هذا المقال ليوضح كيف يحافظ الإنسان على الذكريات بأبسط الأشياء المتاحة، وفى ظل ضغوط الحياة.. والأنفس القوية فقط هى من تستطع أن تفعل ذلك.. فالعيدية ليست بقيمتها، والملابس الجديدة ليست بثمنها. ومثال على ذلك الهدية "فهل يقارن من قال لك كل سنة وأنت طيب فى عيد ميلادك وأهدى لك وردة.. كمن لم يتذكرك؟ أو كمن تهرب منك لأنه لا يستطع أن يشترى لك هدية باهظة الثمن؟".. وهكذا العيد.. فمن استطاع أن يخلق سعادة لنفسه ولمن حوله بأبسط الأشياء، ستصل اجتهاداته للعيد، وسيستقبل طاقة إيجابية منه. والعكس صحيح.
مما سبق فمهما كان عمرك احرص على عدم حرمان نفسك من طقوس العيد.. ومهما كان عمر أبنائك أو من هم تحت رعايتك، فاحرس على إعطائهم العيدية، وشراء ملابس جديدة لهم، ولا تعط لأبنائك من الأطفال فقط وتحرم الكبار بالتدريج من هذه الطقوس، لكى لا يفقدوا لذة المناسبات دون أن تشعرون جميعكم.. تذكر أن إعطاءك جنيهاً واحداً لابنك وشراء تيشيرت ولو كان ثمنه عشرة جنيهات، أفضل بكثير من أن تشعره أنه لم يصبح تحت رعايتك لأنه تزوج، أو كبر فى العمر، أو الأسعار مرتفعة... إلخ. وإن لم تكن مستعد مادياً لهذه الأمور مهما كانت بسيطة، فلابد وأن تكن من أساسيات العيد ولا تتجاهل الاستعداد لها من قبل، كما لم تتجاهل الطعام والشراب كأساسيات.. وهذا للحفاظ على الصحة النفسية لذاتك ولمن يهمك أمرهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة