صعد الأمير الشاب، محمد بن سلمان، البالغ من العمر أقل قليلا من 32 عاما، إلى المنصب الثاني في المملكة العربية السعودية، وليا للعهد الملكى، ومع هذا الصعود اللافت يمكن توقع عدد من سيناريوهات العلاقات الإيرانية ـ السعودية في الفترة المقبلة لاعتبار التنافس المحتدم بين الدولتين في عدد من ميادين الصراع بالإقليم.
السيناريو الأول: تصعيد الخطاب الدعائي لآيات الله ضد المملكة
يتبنى هذا السيناريو مفهوم الاعتماد الإيراني على وسائل الإعلام الحكومية الرسمية وشبه الرسمية في توجيه الرسائل وتفريغ شحنات الغضب والتعبير عن الآراء التى تقال فى الغرق المغلقة، ونظرا لدور الأمير محمد بن سلمان باعتباره وزيرا للدفاع فى المملكة وقائد الحرب الإقليمية الموسعة ضد الانقلاب الحوثي باليمن، فمن شبه المؤكد أن تعمل الآلة الدعائية لآيات الله بطاقتها القصوى محاولة خصم من رصيد الأمير الشاب والتقليل من نجاحه وتقلده المنصب الرفيع.
وباشرت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية دورها وشنت هجوما حادا على محمد بن سلمان وعلى أبيه، معتبرة أن تلك الخطوة بمثابة "انقلاب على محمد بن نايف"، بالرغم من أن الأمير محمد بن نايف سارع من جانبه ووأد أية محاولات للفتنة وأدى البيعة لابن عمه الأمير محمد بن سلمان، ما عكس انتقالا سلسا ومرنا للسلطة بين أبناء العمومة في العائلة المالكة بالرياض، وهو الأمر الذي يدحض الرواية الإيرانية من الأساس.
السيناريو الثانى.. نجاح الأمير فى تحجيم نفوذ طهران
منذ نجاح الثورة الخمينية في إسقاط الشاه محمد رضا بهلوى، عمل صناع السياسات فى طهران على خلق ميادين صراع خارج الحدود السياسية للجمهورية الإيرانية كي يتم تأمين عاملين أولا: شغل الرأي العام والأطياف السياسية الداخلية بالمغامرات الخارجية، وتأمين بقاء النظام وحشد القوى المذهبية بالبلدان العربية لتحقيق الطموح الخمينى.
ويكشف مسار الأحداث أن تلك السياسة أتت أكلها في العقود الثلاثة الأخيرة خاصة بعد انتهاء حرب الخليج الأولى، وحالة الفراغ السياسية والاستراتيجية التى عانى منها معظم القادة العرب (كان الرئيس اليمنى على عبد الله صالح يكتفى بشجب تسليح إيران الحوثيين) لكن منذ تولى بن سلمان وزارة الدفاع، وتحديدا في إبريل 2015، تعامل بحزم مع الطموح الإيراني في الإقليم وشن حربا موسعة ضد الانقلاب الحوثى في اليمن الذي شكل تهديدا حقيقيا على البوابة الجنوبية للمملكة.
ونجح بن سلمان في حشد أكبر عدد ممكن من الدول العربية والإسلامية ضد السياسات الإيرانية بالمنطقة، وليس أدل على ذلك من نجاحه في تشكيل تحالف عاصفة الحزم، مارس 2015، ثم التحالف الإسلامي العسكري لمواجهة الإرهاب في ديسمبر 2015، ومؤتمر القمة العربية ـ الإسلامية ـ الأمريكية مايو 2017.
والدليل على نجاح بن سلمان في استخلاص مواقف دولية من شأنها تحجيم النفوذ الإيرانى، وقدرته الدبلوماسية على الحشد في الاتجاه المعارض، قرار عدد كبير من الدول مقاطعة إيران دبلوماسيا على خلفية اقتحام قوات الباسيج (التعبة العامة) مقرات البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران وخراسان رضوى، وقرار عدد كبير من الدول بمقاطعة قطر بسبب سياساتها الداعمة اللإرهاب والمؤدية لإيران.
وعلى ضوء تلك المعطيات يمكن تصور شكل هذا السيناريو مع ازدياد نجاح محمد بن سلمان في تحجيم النفوذ الإيراني بالإقليم وإجبار الإيرانيين على التراجع عدة خطوات على الخلف وسحب مقاتلي الميليشيات الطائفية من العراق وسوريا واليمن وقطر.
السيناريو الثالث.. عمليات عدائية للأذرع الطائفية بالرياض
يقوم هذا السيناريو على توقع أن تحاول إيران الرد على هزائمها المتتالية في سوريا واليمن والعراق والرد على الحزم البالغ الذي أبداه محمد بن سلمان عن طريق تنفيذ عدد من العمليات النوعية الإرهابية داخل الأراضي السعودية وفي مدينتي الرياض وجدة على سبيل التحديد.
ويحاول هذا السيناريو التعامل بجدية مع التهديد الذى أطلقه أبو مهدى المهندس، القيادي الميداني شديد الخطورة بميليشيات الحشد الشعبى والذي قال فيه إن قوات الحشد الشعبي "ستصل إلى الرياض وجدة".
وعلى إثر هذا التصريح غير المسبوق من قيادي حربي مدعوم من إيران، ونظرا إلى الرسائل المضمرة من عملية ذو الفقار الصاروخية التي قامت بها قوات الجو التابعة للحرس الثوري على مدينة دير الزور السورية مساء الأحد الماضى، فمن المرجح أن تعتمد إيران على تنفيذ عمليات عدائية ضد الرياض ردا من جانها أولا على تصعيد الأمير محمد، وثانيا على الكتلة العسكرية ـ السياسية الصلبة التى دشن لها الأمير في الأشهر الأخيرة.
وقامت إيران بالفعل بإرسال عدد من عناصر الحرس الثوري إلى الشواطئ السعودية على الجانب الغربي من الخليج العربى، قبل أن تلقي القوات البحرية السعودية القبض عليهم قرب حقل مرجان النفطى، وقالت وزارة الإعلام السعودية، في بيان لها يوم 19 يونيو الجارى إن الزورق الإيراني المحتجز كان يعد لتنفيذ عملية إرهابية في المياه الإقليمية السعودية.
السيناريو الرابع.. تهدئة من روحانى لتفادى إجراءات وزير الدفاع الشاب العقابية
يطرح هذا السيناريو فرضية أن تتماشى تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحانى مع خطواته العملية، وألا يكتفي بالتصريحات المتفائلة المرحبة بعودة العلاقات مع المملكة العربية السعودية فقط، وأن يقوم بسياسات تدعم فرضيات بناء الثقة، تفاديا للإجراءات العقابية المحتملة على إيران من جانب وزير الدفاع وولى العهد السعودي المصر على ردع إيران وإعادة نفوذها إلى حدودها السياسية فقط.
وبالرغم من أن هذا السيناريو مستبعد من الجانب الإيرانى؛ نظرا لضعف هامش المناورة والمبادرة الذي يحظى به الرئيس في النظام السياسي الإيرانى، ونظرا إلى أن روحانى يواجه كتلة صلبة من القادة العسكريين والسياسيين المحافظين ذوي السلوك المندفع المتهور المتصف بشحنات زائدة من الميول العدوانية، إلا أن روحانى يمكنه مصافحة الأيدي العربية الممدودة بالسلام وإحداث اختراق سياسي من خلال إعلانه أمام الرأي العام المحلي والدولى تبرؤه من سياسات الحرس الثوري ومؤسسة المرشد، وإن كان هذا لا يبدو فى الأفق بعد تأييده يوم الثلاثاء سياسات المرشد والحرس الثورى تعليقا من جانبه على عمليات دير الزور.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة