يوم بعد يوم تتخذ "الإعلانات" موقعا جديدا بين الفنون المختلفة، فمعروف أن "الإعلان" هو مادة فنية ذات هدف واحد ووحيد، هو الترويج لسلعة ما بكل وسائل التأثير المختلفة، وفي الحقيقة فإنني أتعجب من إهمالنا لتحليل ما بهذه الإعلانات من مميزات فنية كبيرة برغم أنها تحولت في السنوات الأخيرة إلى ساحة جديدة من ساحات التنافس في التميز الفنى.
وقد تجلى هذا في انتظار المتابعين لإعلانات ماركات بعينها تماما كما ينظر معجبوا الفنانين أعمالا جديدة لفنانيهم المفضلين، كما أنها تحولت أيضا إلى مجال من مجالات المنافسة بين الفنانين وبعضهم البعض، فالفنان الذي يؤدي دور ما فى إعلان ما يهمه في المقام الأول أن يحقق هذا الإعلان أكبر قدر ممكن من الانتشار ربما بدرجة أكبر من اهتمامه بنجاح أعماله الفنية، وذلك لعدة أسباب أهمها تحقيق انتشار للفنان ذاته، والثاني ضمان دخل إضافى خلاف دخله من الأعمال الفنية والثالث ضمان الوجود فى بورصة الفن والإعلان على حد سواء فالكثير من المواهب الشابة صعدت إلى الفن من باب الإعلانات، والكثير من المواهب الراسخة أكدت رسوخها بالإعلانات والكثير من الفنانين الكبار خسروا كثيرا باشتراكهم في الإعلانات.
ولأن رمضان عادة من أهم المواسم التي تشغل بال الفنانين والمنتجين والمتابعين على حد سواء فطبيعى أن يتحول رمضان إلى شهر المنافسة فى كل شىء وعلى رأس هذه الأشياء "الإعلانات".
النوستالجيا سيدة الوقف
منذ أن أنتجت شركة بيبسي إعلانا أعادت فيه التذكير بالكثير من التيمات الفنية المنسية وحققت بهذا الإعلان نجاحا كبيرا سارع منتجوا الإعلانات ومبدعيها إلى الاهتمام بالمواد الأرشيفية التي تخاطب شريحة كبيرة من الجمهور هو جمهور التسعينات، وفي الحقيقة فقد حققت بهذا التوجه العديد من نقاط التميز ، وأعادت إلى المشهد الفني الكثير من الوجوه المنسية، لكن يقف خلف هذا غرض إعلاني خفى هو تعمد مخاطبة تلك الشريحة التي أصبحت الآن في مواقع اتخاذ القرار في كل مناحي الحياة بداية من الحياة السياسية وحتى الحياة "الأسرية" فالجيل الذي كان في مرحلة الطفولة أو الشباب في التسعينات الآن في الثلاثينيات أو الأربعينيات أو حتى أوائل الخمسينيات، وهو ما يعني أنه أصبح على رأس هرم الإنفاق والمستهدف من شركات السيارات والعقارات والصناعات الاستهلاكية.
ولهذا رأينا فى إعلانات هذا العام العديد من الإعلانات التى تخاطب هذا الجيل، ومن أهمها إعلان شركة منتجع موسى كوست الذي أتى بكل من منى عبد الغني وحميد الشاعري وهشام عباس مستعينا بأغنيات ذات طابع نوستالجي أيضا مثل أغنية "يلا يا أصحاب" وأغنية "على شط بحر الهوى" و"يلي يا سنيني عودي واحشني تاني لعب العيال" بصوت "الشاعري" و"تعالى نقول سوا اللي أحنا ما قلناهوش" و"طلعت يا محلا نورها شمس الشموسة".
وإلى تلك الفئة ينضم إعلان شركة أورانج الذي قام ببطولته الفنان محمد هنيدي، فقد صاغ صانعوا الإعلان رسالتهم على ألحان قديمة مثل "اعقل وارسيلك على قارة لفؤاد المهندس" و"أنا واد خلاصة" لحمدي باتشان و"عم يا صاحب الجمال" لأحمد عدوية و"ذهب الليل" لمحمد فوزي و"عيني بترف" لليلى مراد ونجيب الريحانى.
وقد أعاد هنيدي بهذا الإعلان البريق لنفسه ومن غير إرادة منه أصبح هذا الإعلان المحبب لكل أطفال مصر، ولعل هذا الإعلان يعيد توجيه "الموهوب" هنيدي ليتحول أكثر إلى الأعمال الفنية التى تخاطب الطفل نظرا لما ظهر في هذا الإعلان من قبول فطري تجاه الأطفال، وفي الحقيقة فقد استطاع هذا الإعلان على بساطته الوقوف على قد المساواة مع إعلانات شركات الاتصالات الأخرى التى حققت نجاحا كبيرا أيضا هذا الموسم إن لم يكن قد تفوق عليها، لكنه فى الحقيقة أخف على القلوب من إعلانات حشدت الكثير من النجوم مثل إعلان "أول مرة" الذي اشترك فيه تامر حسني وشرين ورمضان صحبي وكوبر وكندة علوش وعمرو يوسف، وغادة عادل، أو إعلان شركة اتصالات الذي قام ببطولته محمد رمضان حاشدا كل شخصياته التي أداها في السنوات الماضية.
واستمرت "النوستالجيا" سيدة الموقف في كل من إعلانات "بسكو مصر" التي تعد شركة "نوستالجية" في الأساس، وإعلان شركة يونيفيرسال" الذي قامت ببطولته الفنانة ليلى علوي أثبتت من خلاله أنها من الممكن أن تقوم بأداء أدوار شبه استعراضية مؤكدة أنها مازالت تتمتع بالكثير من البريق والكثير من الإمكانيات، وهو كشف ربما يضاهي في قوته كشف ما لصوت الفنان الكبيرة إسعاد يونس من تأثير، وقد ظهر هذا بقوة من خلال إعلانات هيئة الرقابة الإدارية المنددة بالسلوكيات الفاسدة التى تنتشر في المجتمع المصرى بأداء سيناريو لأحد هذه السلوكيات ثم يأتي صوت إسعاد يونس وكأنه صوت الضمير الذي يوقظ الأخلاقيات الحميدة في النفوس.
نأتي إلى إعلانات الحث على التبرع الذي لا يجوز لنا أن نتناول إعلانات رمضان دون أن نشير إليها، وقد ظهر هذا العام اتجاه حميد ربما كان موجودا في الأعوام السابقة على استحياء فتحول هذا العام إلى اتجاه سائد، وهذا الاتجاه هو تعمد إشاعة البهجة بدلا من نشر الكآبة، وفي هذا ظهر إعلان مستشفى 500 500 وإعلان مستشفى أسوان للقلب لرائد جراحات القلب الطبيب العالمي مجدي يعقوب، وإعلان "وش الخير" لمستشفى 57357 الذي قامت ببطولته الفنانة الكبيرة سميرة سعيد.
شاهدنا أيضا في هذا العام ظهور وجودا مميزا لإعلانات تستعين بنجوم عالميين، مثل إعلان شركة حديد المصريين الذي قام ببطولته اللاعب العالمي كريستيانو رونالدو، وأكثر ما يميز هذا الإعلان خلاف وجود نجم عالمي مثل رونالدو أنه يمثل نقطة تحول كبيرة في تاريخ الإعلانات في مصر، كما أنه يحمل رسالة إيجابية عن الاقتصاد المصري القادر على جذب الكثير من نجوم العالم مخاطبا السوق العالمية والمحلية على حد سواء.
ولا يجوز لنا أن ننتهى من هذه القراء دون الإشارة إعلان "اي جي بنك" الذي يعد من أنجح إعلانات هذا العام، لكننا نستطيع أن نقول إن الإعلان نجح نجاحا كبيرا على حساب البنك نفسه، فقد صور الإعلان شريحته المتستهدفة في صورة غاية في السلبية، ليقول في الآخر كلمته الشهيرة "محدش بيعملك حساب بس أحنا عملنالك بنك" وفي الحقيقة أنا لا أتخيل أن أحدا من الشباب سيتوجه إلى هذا البنك لعمل حساب لأن هذا التوجه سيتضمن تلقائيا اعترافا بأن الشاب صاحب هذا الحساب هو صورة طبق الأصل من ذلك الشاب المهمش المغلوب على أمره، هي صورة أبعد ما يكون عما يتمناه أي شاب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة