يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ».
تأتى هذه الجملة القرآنية الراقية لتصحح كثيرا من مفاهيم الناس الذين يفخرون بأحسابهم وأنسابهم ووظائفهم وأعمالهم وأموالهم.
ولو تدبر الإنسان لوجد أن الله تعالى يملك كل شىء، وأن آحاد الناس فى الدنيا ليسوا إلا مستخلفين فى نعم الله عندهم، وإذا كان من حق العباد أن يفخروا، فإن الفخر الذى ينطلق من قلب المؤمن هو أن يفخر الإنسان بعطاء الله عنده، ولعل قلب هذا الأعرابى الذى لم ينخرط فى المدارس ولا الجامعات أرق من كثير من القلوب، فقد سئل أعرابى عن قطيع غنم يرعاه، قيل له: لمن هذه الغنم؟ فقال: هى لله عندى، فما أيقظ قلبه! وما أجمل قوله!
إن الفخر قد يجر إلى العجب والكبر وكلاهما لا يحمد فى دين الله، وإذا ما جاز أن يفخر الإنسان بشىء عنده فليسأل نفسه من أين أتاه، ولقد ذم النبى صلى الله عليه وسلم الفخر الكاذب، فقد كان أبو ذر رضى الله عنه بينه وبين رجل كلام، وكانت أمه أعجمية فعيره بأمه، فشكاه إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فلقى النبى صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال: «يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية» فمع صدق إيمان أبى ذر إلا أن النبى صلى الله عليه وسلم لامه وعاتبه لما وقع فى هذا التعيير فعيّر الرجل بمنطق أهل الجاهلية!
إن من عظمة الإسلام أنه لم يرفع الناس بسبب أبدانهم ولا أموالهم ولا أعمالهم ووظائفهم، فقد يكون البدن والمال والوظيفة سببا فى معصية أو إثم، وإنما ربط الإسلام رفعة القدر وعلو الشأن بالتقوى، ولعل التصريح المفصل بشأن رفعة الناس هو ما أورده الله تعالى فى شأنهم، قال تعالى: «يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات».
ولو كان الأمر بالنسب والحسب ما جاء ذم أبى لهب فى سورة تتلى إلى قيام الساعة وهو عم أطهر خلق الله.
إن النبى صلى الله عليه وسلم حين خاطب أمة الإيمان لم يقل لهم القرشى أخ للقرشى، ولا المكى أخ للمكى، وإنما قال: المسلم أخو المسلم، وهذا يعنى أن المسلم من أى مكان أخ للمسلم فى أى مكان، ثم فصل مقتضيات الأخوة، فقال: لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره.
ولو حققنا مثل هذه التعليمات الراقية لتغير وجه المجتمع من حولنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة