لماذا وإلى متى تتوالى الحوادث وتتكرر وتتصاعد ضد الأقباط؟.. نعم هذه الحوادث ليست من جانب كل المسلمين، ولا من جانب من يعرف الإسلام ويدرك مبادئه، ويؤمن بقيمه، ويقدر مقاصده.. نعم هذه الحوادث المؤسفة يرفضها الإسلام والمسلمون الذين يدركون أن الأديان لله وحده، وأنه ليس لأحد أن يحدد لأحد دينه ولا إيمانه.
ولكن للأسف، فتلك الحوادث يقوم بها من يعلنون أنهم مسلمون، بل هم يتصورون أنهم الإسلام ذاته، وغيرهم من المسلمين وغير المسلمين لا علاقة لهم بالإسلام كما يرونه هم.. فهل الذين يعرفون السلام، ويؤمنون بالمحبة، ويسعون فى الأرض للخير، ويقبلون الآخر الإنسان، حتى ولو اختلف فى الدين، ويؤمنون بالله واليوم الآخر ليسوا مسلمين؟.. وهل المسلم فى نظر هؤلاء عليه التخلص من الآخر الدينى وغير الدينى؟.. وهل الله سبحانه الذى خلق الإنسان وكرمه، وأراد التعددية، وعبادة الله الواحد، لكى يتحارب الإنسان ضد أخيه الإنسان، يقتل ويسحق ويحرق؟
بالطبع بكل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية، لا وألف لا، وإلا ما كان الإنسان وما كانت الإنسانية، رغم الخلاف المشروع والصراع الطبيعى نحو البناء والتقدم لصالح الإنسان ذاته، لذا لماذا تلك الحوادث التى تخطت حدود الإنسانية ضد المصريين المسيحيين؟، هل لأنهم يختلفون فى الدين مع هؤلاء؟.. نعم فالخلاف فى الدين طبيعى، وهو إرادة إلهية، والأديان تؤكد هذا الخلاف وتلك التعددية، ولكن هذا فى إطار وحدة الإنسانية، ووحدانية الله الذى سيحاسب الجميع ولا يعير.
إذا كان الله قد أعطى للإنسان الحرية فى أن يعبده أو لا يعبده، فهل يملك إنسان، أى إنسان، أن يحاسب هذا الإنسان على اختياره؟، وإذا فرض الله على الإنسان دينه، وحدد عقيدته، وأسقط إرادته واختياره، فكيف يحاسبه الله بعد ذلك على أعماله؟، وهل أناب الله أحدًا فى أن يحاسب البشر بديلًا عنه سبحانه وتعالى؟.. وهذا يعنى أن الاختلاف فى الدين لا يبرر تلك الحوادث، بل يسىء إلى الدين ولا يخدمه، بل يظهر الإسلام أنه دين لا يقبل الآخر ويرفض التعددية. وبالطبع التعددية هنا فى إطار عبادة الله الواحد الأحد، الذى لا شريك له، ولذا إضافة إلى ذلك، فهذه الحوادث ضد الأقباط، لأن اختيارهم السياسى ليس مع فكر هذه التنظيمات.
فالأقباط سياسيًا هم مواطنون مصريون لهم كل الحقوق، وعليهم كل الواجبات، حسب الدستور والقانون وحقوق الإنسان التى دشنها الله قبل الإنسان، ولذا من حقهم أن يختاروا الفكر السياسى الذى يؤمن بإنسانيتهم، ويقرر حقوقهم على المستوى الدينى والإنسانى، ولذا انحاز المسيحيون مع 30 يونيو، وخرجوا كما لم يخرجوا قبل ذلك فى تاريخهم، وحضر البابا مع شيخ الأزهر اجتماع 3 يوليو 2013، ولولا الظروف الخاصة فى ذلك الوقت، كنت أتمنى ألا يحضر البابا وشيخ الأزهر هذا الاجتماع.
وعلى ذلك يعتبر هؤلاء أن الأقباط، ورمزهم الدينى، مع نظام «السيسى» الذى أسقط الإخوان، ويقوم بأفعال وأعمال تحاول جاهدة أن تؤكد حق الأقباط كمصريين دون تمييز بين مسلم ومسيحى، ولذا فهذا الإطار السياسى كان هو العامل الجديد الذى أكد الاعتداء على الأقباط فى الموجة الإرهابية الحالية، امتدادًا لموجاته السابقة فى ثمانينيات القرن الماضى، والتى كانت تستهدف الأقباط لكونهم مسيحيين، فالاستهداف الآن أصبح دينيًا وسياسيًا، ولذا أيًا كان هذا الخلط، فهذه الأفعال فى المقام الأول تتم ضد مصريين، أيًا كان ديانتهم، فالاستهداف لمصريين ولوطن هو ملك لكل المصريين.
حيث إن الاستهداف الدينى لغير المسلمين يتم على مستوى العالم ضد المسيحيين فى فرنسا وألمانيا وبريطانيا، ويبقى الاستهداف ضد الأقباط استهدافًا سياسيًا، يجمع الوطن والمواطنين، مما يحتم علينا النظر وتقييم هذه الحوادث فى إطارها الوطنى قبل الطائفى لمصريين، وليس لمسيحيين، فقد وجدنا القوات المسلحة ترد على حادث المنيا بعد ساعات قليله بالضربة الجوية ضد قواعد هذه التنظيمات فى درنة بليبيا، حيث أنها تبعد حوالى 180 كيلو عن هذه المنطقة الصحراوية التى حدثت فيها هذه الحادثة النكراء.
وما دام الأمر كذلك، وما دام سيظل الفكر الدينى الذى يمارس الآن لا يقبل الآخر، ستتكرر هذه الحوادث، فالحرب مع الإرهاب طويلة وممتدة، فهى حرب محلية وإقليمية وعالمية، لذا كان «السيسى» حاسمًا وحازمًا فى الرياض، عندما وجه اتهامات مباشرة للدول التى تساعد تلك التنظيمات.
ولعالمية المعركة طالب «السيسى» أمريكا والعالم بالتوحد فى مواجهة الإرهاب، حيث إن مواجهة الإرهاب لن تكون بالشعارات ولا الكلام النظرى، ولكن بالمواجهة الأمنية الحقيقية، التى تعتبر الخطوة الأول فى طريق طويل وشاق فى محاربة الإرهاب.
مع العلم، لا ولن يحمى مصر فى تلك المعركة غير الشعب المصرى بوحدته وتلاحمه ويقظته، فالداخل هو حائط الصد ضد كل المؤامرات، والتوحد لا يكون بغير تحقيق المواطنة بحقوقها وواجباتها لكل المصريين دون تمييز على أى أساس، التوحد فى حرية الرأى، وفى إعطاء فرصة لمعارضة سياسية لا علاقة لها بإرهاب أو كراهية أو بث فُرقة.
لا توحد بدون انتماء للوطن، ولا انتماء بدون حقوق ومساواة وقانون يطبق على الجميع، ليقضى على الفساد والمحسوبية والرشوة، ويسقط تزاوج السلطة والثروة، ويحقق العدالة الاجتماعية حتى تصبح مصر وطنًا لكل المصريين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة